ينتقل أحد من اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتّى يكون بينهما حال شك.
وأمّا التجربة فقد استخدمها كما يستخدمها الطبيعي أو الكيمياوي اليوم في معمله » (١).
وقال أحمد أمين في مقال خاصّ تحت عنوان « المعتزلة والمحدثون » :
كان للمعتزلة منهج خاصّ أشبه ما يكون بمنهج من يسمّيهم الإفرنج العقليين ، عمادهم الشكّ أوّلاً والتجربة ثانياً ، والحكم أخيراً. وللجاحظ فى كتابه « الحيوان » مبحث طريف عن الشك ، وكانوا وفق هذا المنهج لا يقبلون الحديث إلاّ إذا أقرّه العقل ، ويؤوّلون الآيات حسب ما يتّفق والعقل كما فعل الزمخشري في الكشّاف ، ولا يؤمنون برؤية الإنسان للجنّ لأنّ الله تعالى يقول : ( إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) ويهزأون بمن يخاف من الجن ، ولا يؤمنون بالخرافات والأوهام ، ويؤسّسون دعوتهم إلى الإسلام حسب مقتضيات العقل وفلسفة اليونان ، ولهم في ذلك باع طويل ، ولا يؤمنون بأقوال أرسطو لأنّه أرسطو ، بل نرى في « الحيوان » أنّ الجاحظ يفضّل أحياناً قول أعرابيّ جاهلي بدويّ على قول أرسطو الفيلسوف الكبير.
هكذا كان منهجهم ، وهو منهج لا يناسب إلاّ الخاصّة ، ولذلك لم يعتنق الاعتزال إلاّ خاصّة المثقّفين ، أمّا العوام فكانوا يكرهونه.
ويقابل هذا المنهج منهج المحدِّثين ، وهو منهج يعتمد على الرواية لا على الدراية ، ولذلك كان نقدهم للحديث نقد سند لا متن ، ومتى صحّ السند صحّ المتن ولو خالف العقل ، وقلّ أن نجد حديثاً نُقد من ناحية المتن عندهم ، وإذا عُرض عليهم أمر رجعوا إلى الحديث ولو كان ظاهره لا يتّفق والعقل ، كما يتجلّى ذلك في مذهب الحنابلة.
وكان من سوء الحظّ أن تدخل المعتزلة في السياسة ولم يقتصروا على الدين ،
____________
١ ـ ضحى الاسلام : ج ٣، ص ١١٢.