المعرفة موجودتين في الفاسق.
فقال له واصل : أليس قد وجدت الله تعالى يقول : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَاُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) ( المائدة / ٤٥ ) وأجمع أهل العلم على أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ اسم الظالم ، كما يستحق اسم الفاسق ، فألاّ كفّرت صاحب الكبيرة من أهل الصلاة بقول الله تعالى : ( وَالكَافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ ) ( البقرة / ٢٥٤ ) فعرّف بألف ولام التعريف (١).
يلاحظ عليه : أنّ « واصلاً » دفع دليل خصمه بالنقض ولأجل ذلك يقول السيّد المرتضى في حقّه : « أمّا ما ألزمه واصل بن عطاء لعمرو بن عبيد فسديد لازم » ولكن كان في وسعه الإجابة عنه بشكل جلّي ، وهو أنّ ما استدلّ به « عمرو » من الآيات غير كاف في إثبات ما يرتئيه. لأنّ آية النور وإنّ حكمت بفسق مرتكب الكبيرة ، ولكن آية التوبة لم تحكم بأنّ كلّ فاسق منافق ، وإنّما حكم بأنّ كلّ منافق فاسق ، وبعبارة واضحة حصرت الآية ، المنافقين بالفاسقين ولا العكس. ومن المحتمل أنّ يكون المنافق أخصّ من الفاسق. والفاسق أعمّ منه فيكون استدلاله عقيماً. قال سبحانه : ( إنّ المنافقين هم الفاسقون ) ولم يقل : إنّ الفاسقين هم المنافقون.
وبذلك تقف على مغزى ما نقض به واصل دليل عمرو ، فإنّه صحيح إذا كان الهدف إفحام الخصم بالجواب النقضي.
وأمّا إذا كانت الإجابة على الوجه الحلّي فهي ساقطة جدّاً ، لأنّه سبحانه حصر الكافرين في الظالمين لا العكس. فقال : ( والكافرون هم الظالمون ) فمن الممكن أنّ يكون كلّ كافر ظالماً ولا العكس. وصاحب الكبيرة وإنّ استحقّ اسم الظالم ، كما استحقّ اسم الفاسق ، ولكنّه لا يستحقّ اسم الكافر بحجّة أنّه سبحانه قال : ( والكافِرونَ هُمُ الظّالمون ) ، ولم يقل : ( والظالمون هم الكافرون ).
__________________
١ ـ أمالي المرتضى : ج ١ ص ١٦٦ ولكلامه ذيل لا حاجة لنقله ، وربّما أوجد تشويشاً في الاستدلال وقد نقله ابن المرتضى في المنية والأمل بصورة واضحة ص ٢٣.