ولعلّ ما أجاب الإمام عليهالسلام كان منتشراً في البصرة من جانب تلميذيه ، وانتهى إلى عمرو بن عبيد ، فأجاب بنفس ما أجاب به الإمام ، ويظهر من كلام ابن أبي العوجاء ، تقدّم إجابة الإمام على جواب عمرو بن عبيد زماناً وإلاّ لما صحّ أنّ يقال « هذا ما حملته الإبل من الحجاز » بل كان له أنّ يحتمل أنّ الجواب اُخذ من عمرو بن عبيد ، عميد الاعتزال.
نعم يحتمل أنّ تكون الإجابتان من قبيل توارد الخاطر ومجيئهما على سبيل الاتّفاق ، بلا أخذ أحدهما من الآخر.
٢ ـ روى السيّد المرتضى في أماليه وقال : « إنّ هشام بن الحكم قدم البصرة فأتى حلقة عمرو بن عبيد فجلس فيها وعمرو لا يعرفه فقال لعمرو : أليس قد جعل الله لك عينين؟ قال : بلى ، قال : ولم؟ قال : لأنظر بهما في ملكوت السماوات والأرض فأعتبر ، قال : وجعل لك فماً؟ قال : نعم ، قال : ولِمَ؟ قال : لأذوق الطعوم واُجيب الداعي ، ثمّ عدّد عليه الحواسّ كلّها ، ثمّ قال : وجعل لك قلباً؟ قال : نعم ، قال : ولِمَ؟ قال لتؤدّي إليه الحواسّ ما أدركته فيميّز بينها. قال : فأنت لم يرض لك ربّك تعالى إذ خلق لك خمس حواسّ حتّى جعل لها إماماً ترجع إليه ، أترضى لهذا الخلق الّذين جشأ بهم العالم ألاّ يجعل لهم إماماً يرجعون إليه؟ فقال له عمرو : ارتفع حتّى ننظر في مسألتك وعرفه. ثم دار هشام في حلق البصرة فما أمسى حتّى اختلفوا » (١).
أقول : ما أجاب به عمرو بن عبيد هشام بن الحكم ، يدلّ على دماثة في الخلق وسماحة في المناظرة مع أنّه طعن في السن ، وهشام بن الحكم كان يعدّ في ذلك اليوم من الأحداث ، وقد استمهل حتّى يتأمّل في مسألته ولم يرفع عليه صوته وعقيرته بالشتم والسب ، كما هو عادة أكثر المتعصّبين ، ولم يرمه بالخروج عن المذهب.
٣ ـ قال الجاحظ : « نازع رجل عمرو بن عبيد في القدر فقال له عمرو : إنّ الله تعالى قال في كتابه ما يزيل الشك عن قلوب المؤمنين في القضاء والقدر قال تعالى :
__________________
١ ـ أمالي المرتضى : ج ١ ص ١٧٦ ـ ١٧٧.