كما سيأتي عند عرض مذهبهم ، لكن كون الخلاف بين الإمامين لفظيّاً واضح البطلان ، إذ كيف يكون النّزاع في التحسين والتقبيح العقليّين ، أمراً لفظيّاً ، مع أنّه تترتّب على الإثبات والإنكار مسائل كلاميّة كثيرة؟ أو كيف يكون الاختلاف في كون فعل الانسان فعلاً له حقيقة أو مجازاً من الاختلاف اللّفظي؟.
٤ ـ قال محقّق كتاب « التّوحيد » للماتريدي ، في مقدّمته : « إنّ شيخيّ السنّة يلتقيان على منهج واحد ومذهب واحد ، في أهمّ مسائل علم الكلام الّتي وقع فيها الخلاف بين فرق المتكلّمين » (١).
ولعلّه لا يرى الخلاف في التّحسين والتّقبيح ، وكون فعل الانسان فعلاً له حقيقة ، أو مجازاً ، اختلافاً جوهريّاً ، كما لا يرى الاختلاف في كون صفاته عين ذاته ، أو زائدة عليه ، أو جواز التّكليف بما لايطاق ، وعدمه كذلك. فاللازم عرض مذهبه عن طريق نصوصه الواردة في توحيده ، وتفسيره ، وكتب أنصاره ، حتى يعلم مدى اتّفاق الداعيين ، واختلافهما.
وقبل ذلك نختم البحث بكلمة الامام البزدوي ، أحد أنصار الماتريديّة في القرن الخامس ، وكان جدّ والده أحد تلاميذه. قال :
« وأبو الحسن الأشعري وجميع توابعه يقولون إنّهم من أهل السنّة والجماعة ، وعلى مذهب الأشعري عامّة أصحاب الشافعي ، وليس بيننا وبينهم خلاف إلاّ في مسائل معدودة قد أخطأوا فيها » (٢) وذكر بعد ذلك ، تلك المسائل المعدودة وهي لا تتجاوز عن ثلاث ، وسيوافيك نصّه! ولأجل وجود الإختلاف الجوهري بين المذهبين قام جماعة من المعنيّين بتبيين الفروق الموجودة فيهما ، بين موجز في الكلام ، ومسهب فيه ، وربّما ألّفوا كتباً ورسائل ، وإليك ما وقفنا عليه في هذا المجال :
أ ـ اُصول الدين للامام البزدوي ، قال فيه تحت عنوان « ما خالف أبو الحسن
__________________
١ ـ مقدمة التوحيد ، بقلم محققه الدكتور فتح اللّه خليف : ص ١٨.
٢ ـ اُصول الدين للامام محمد بن محمد بن عبد الكريم البزدوي : ص ٢٤٢.