أهل الحديث طوائف المشبِّهة ، والمجسِّمة ، والقائلين بالجبر المستلزم للغوية التكليف وبعث الأنبياء ، فهل يصحّ أن يعدّ من يصوّر بعث الأنبياء لغواً ، وإنزال الكتب عبثاً ، من أهل الإيمان؟ والحال أنّه لا تقصر عقيدة هؤلاء عن عقيدة أهل الجاهليّة الاُولى الّذين وصفهم الإمام علي عليهالسلام في خطبة بقوله « وأهل الأرض يومئذ ( يوم بعث النّبي الأكرم ) ملل متفرِّقة ، وأهواء منتشرة ، وطوائف متشتّتة ، بين مشبِّه للّه بخلقه ، أو ملحد في اسمه ، أو مشير به إلى غيره » (١).
ويا للعجب! إذا قسّم أبو زهرة ساحة الإيمان كلّها لهذه الطوائف الأربع ، فأين يقع مكان أئمّة أهل البيت في هذه الساحة وليس لأحد إنكار فضيلتهم ، لأنّهم الّذين أوجب الله سبحانه مودّتهم في القرآن وجعلها أجر رسالته وقال : ( قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَودَّةَ في القُرْبى ). ( الشورى / ٢٣ )؟!! وعرّفهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّهم أعدال الكتاب وقرناؤه ، وقال : « إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي » (٢).
وقد عرف الأبكم والأصمّ ـ فضلاً عن غيرهما ـ أنّ أئمّة أهل البيت لم يكونوا في أحد هذه المذاهب ، ولا كانوا مقتفين لأحد هذه المناهج ، بل كان لهم منهج خاصّ لا يفترق عن الكتاب ، والسنّة ، والعقل السليم ، فما معنى هذا التقسيم؟ « ما هكذا تورد يا سعد الإبل » و « تلك إذاً قسمة ضيزى » ، « أهم يقسمون رحمة ربّك ... ».
٣ ـ قال الشّيخ محمّد زاهد الكوثري : « الماتريديّة هم الوسط بين الأشاعرة والمعتزلة ، وقلّما يوجد بينهم متصوّف ، فالأشعريّ والماتريدي هما إماما أهل السنّة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها ، لهم كتب لا تحصى ، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل اللّفظي » (٣).
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من أنّ الماتريديّة بين الأشاعرة والمعتزلة وإن كان متيناً ،
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الخطّبة ١ طبعة عبده ص ٢٥.
٢ ـ حديث متفق عليه رواه الفريقان.
٣ ـ مقدمة تبيين كذب المفتري : ص ١٩.