أظهر في الأشعريّة بحكم تتلمذ الأشعري للمعتزلة عهداً طويلاً ، واستشهد على ذلك بأنّ الأشعري يقول بوجوب المعرفة عقلاً قبل بعث الأنبياء دون الماتريدي » (١).
والظّاهر أنّ ما ذكره الكاتب من هفو القلم وسهوالفكر ، إذ مضافاً إلى أنّ كتابي الماتريدي « التوحيد والتفسير » وآراء تلاميذه تشهد على خلاف ما ذكر. إنّ ما استشهد به على ما تبنّاه خلاف الواقع ، فالأشعري يقول بوجوب المعرفة سمعاً لا عقلاً ، والماتريدي على العكس كما ستوافيك نصوص القوم عند عرض المذهب ، والعجب أنّه قد سجّل نظرية الإمامين قبيل هذا ، على خلاف ما ذكره هنا وقال : يقول الماتريدية : إنّه تعالى لو لم يبعث للناس رسولاً لوجب عليهم بعقولهم معرفته تعالى ، ومعرفة وحدانيّته ، واتّصافه بما يليق ، وكونه محدثاً للعالم ، كما روي ذلك عن أبي حنيفة ، وذهب مشايخ الأشاعرة إلى أنّه لا يجب إيمان ، ولا يحرم كفر قبل البعث.
فإذا (٢) كان أحمد أمين قائلاً بغلبة لون الإعتزال على الأشعري ، فهناك من ذهب إلى خلافه ، وإليك البيان :
٢ ـ قال أبو زهرة : « إنّ منهاج الماتريدية للعقل سلطان كبير فيه من غير أيّ شطط أو إسراف ، والأشاعرة يتقيّدون بالنّقل ويؤيِّدونه بالعقل ، حتّى إنّه يكاد الباحث يقرّر أنّ الأشاعرة في خطّ بين الإعتزال وأهل الفقه والحديث ، والماتريديّة في خطّ بين المعتزلة والأشاعرة ، فإذا كان الميدان الّذي تسير فيه هذه الفرق الإسلاميّة الأربع ، والّتي لا خلاف بين المسلمين في أنّها جميعاً من أهل الإيمان ، ذا أقسام أربعة ، فعلى طرف منه المعتزلة ، وعلى الطرف الآخر أهل الحديث ، وفي الربع الّذي يلي المعتزلة ، الماتريديّة ، وفي الربع الّذي يلي المحدّثين ، الأشاعرة » (٣).
يلاحظ عليه : أنّه كيف جعل أبو زهرة هؤلاء كلّهم من أهل الايمان ، مع أنّ بين
__________________
١ ـ ظهر الاسلام : ج ٤ ص ٩١ ـ ٩٥.
٢ ـ المصدر نفسه.
٣ ـ تاريخ المذاهب الاسلاميّة : ج ١ ص ١٩٩.