نفسه في صدر صقر وقال له : أسألك؟ فنظر إليه الحاضرون وتعجّبوا من جرأته مع صغر سنّه. فقال له : سل ، فقال : هل الله تعالى يفعل العدل؟ قال : نعم ، قال : أفتسمّيه بفعله العدل عادلاً؟ قال : نعم ، قال : فهل يفعل الجور؟ قال : نعم ، قال : أفتسمّيه جائراً؟ قال : لا ، قال : فيلزم أن لا تسمّيه بفعله العدل عادلاً ، فانقطع صقر ، وجعل الناس يسألون من هذا الصّبي؟ فقيل : هو غلام من جبّاء (١).
يلاحظ على تلك المناظرة : أنّه في وسع المجبِّر أن يقول : إن أسماءه سبحانه توقيفيّة ولا يصحّ لنا تسميته بما لا يسمّي به نفسه.
٢ ـ روى ابن المرتضى أنّ أبا عليّ ناظر بعضهم في الإرجاء وأبو حنيفة والزبير حاضران ، فقال أبو حنيفة : إنّ أبا عمرو بن العلاء لقي عمرو بن عبيد ، فقال له : يا أبا عثمان إنّك أعجميّ ولست بأعجميّ اللّسان ولكنّك أعجميّ الفهم. إنّ العرب إذا وعدت أنجزت ، وإذا أوعدت أخلفت وأنشد شعراً :
إنّي وإن أوعدته ووعدته |
|
لمخلف إيعادي ، ومنجز موعدي |
فقال أبو عليّ : إنّ أبا عثمان أجابه بالمسكت وقال له : إنّ الشاعر قد يكذب وقد يصدق ، ولكن حدّثني عن قول الله عزّ وجلّ : ( لأََمْلأََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ( هود / ١١٩، السجدة / ١٣ ) إن ملأها أتقول صدق؟ قال : نعم ، وإن لم يملأها أفتقول صدق؟ فسكت أبو حنيفة.
يلاحظ عليه : أنّه سبحانه إنّما يخلف بما أوعده إذا عفا عن الكافر والمشرك والمسلم جميعاً ، وأمّا إذا عفا عن المسلمين خاصّة فلا يلزم الكذب ، لأنّه لا يستلزم خلف الايعاد الوارد في الآية المباركة ، ولا يلزم خلوّ جهنّم من الجنّة والنّاس الّذي أشار الله إليه بقوله : ( لأََمْلأََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ، لأنّ من يجري عليه العفو أقلّ ممّن يكون محكوماً بدخول الجحيم ، وليس القائل بالعفو يقول بأنّ العفو يعمّ كلّ
__________________
١ ـ المنية والأمل : ص ٤٦.