الّذي يقولون به ، وديانتهم الّتي يدينون بها » (١). وبيّنوا « مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنّة ، فمن خالف شيئاً منها في هذه المذاهب أو طعن فيها ، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة ، زائل عن منهج أهل السنّة وسبيل الحقّ » (٢).
وفي الوقت نفسه إنّ أكثر ما جاء في قائمتي الشيخين اُصول كلاميّة نتجت من البحث والنزاع ، وصفت لدى الشيخين بعد عراك ، ومن تلك الاُصول القول بقدم القرآن وكونه غير مخلوق ، مع تصريح أئمّة الحديث بعدم ورود نصّ في ذلك من الرسول ومنها كون خير الاُمّة الخلفاء الراشدين ويتفاضلون بحسب تقدّم تصدّيهم للخلافة ، فالأوّل منهم هو الأفضل ثمّ الثاني ... ومعنى هذا أنّ الاُصول الّتي يدين بها أهل السنّة لم تكن منتظمة ولا مرتّبة في عصر الرسول والصحابة ولا التابعين ، وإنّما انتظمت بعد احتكاك الآراء واختلاف الأفكار حتّى أنتج البحث والنقاش هذه الاُصول والكلّيات. وإنّ ذا من العجب.
إنّ الاُصول الّتي يدين بها أهل الحديث والأشاعرة هي الّتي مزّقت الاُمّة الواحدة تمزيقاً ، وصيّرتها فرقاً شتى ، وما هذا إلاّ لأجل إصرارهم على أنّ هذه الاُصول اُصول الديانة ، والزائل عنها خارج عن الجماعة. وكان في وسعهم التفريق بين الاُصول العقائدية الّتي لا منتدح لمسلم عن عرفانها والإيمان بها إجمالاً أو تفصيلاً ، والاُصول الكلاميّة الّتي وصل إليها البحث الكلامي بفضل النقاش في ضوء الكتاب والسنّة والبرهان العقلي القائم على اُصول موضوعية مبرهنة.
وعند ذلك تتجلّى عندك حقيقة ناصعة وهي أنّ أكثر الفرق الّتي عدّها أصحاب الملل والنحل والمقالات فرقاً إسلاميّة ، فإنّما هي فرق كلامية وليست فرقاً دينية إسلاميّة داخلة في الثلاث والسبعين فرقة بحيث تكون الواحدة منها ناجية والبواقي هلكى ، لأنّ الإذعان بحكم مرتكب الكبيرة ليس ملاكاً للنجاة والهلاك حتّى تكون فرقة منهم من
__________________
١ ـ هذه نفس عبارة الشيخ الأشعري في « الابانة » الباب الثاني ، ص ١٧.
٢ ـ وهذه نفس عبارة إمام الحنابلة في كتابه « السنة » ، ص ٤٤.