بهذه الخمسة ، فهناك اُصول حالها حال الخمسة. فإنّ منكر نبوّة النّبيّ الأعظمصلىاللهعليهوآلهوسلم أو عالميّة رسالته أو خاتميّتها كافر. ومنكر عصمته بلا شب فاسق ، ومعها مخطىء.
وهناك وجه آخر لتخصيص الخمسة من الاُصول بالذكر أشار إليه القاضي في كلامه وقال : « إنّ خلاف المخالفين لنا لا يعدو أحد هذه الاُصول. ألا ترى أنّ خلاف الملحدة والمعطّلة والدهرية والمشبّهة قد دخل في التوحيد. وخلاف المجبّرة بأسرهم دخل في باب العدل. وخلاف المرجئة دخل في باب الوعد والوعيد. وخلاف الخوارج دخل تحت المنزلة بين المنزلتين. وخلاف الإماميّة دخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »(١).
وهذا الوجه وإن صحّح سبب الاقتصار على الخمسة ، لكنّه يدلّنا على شيء آخر غريب في باب العقائد والاُصول ، وهو أن السابر في كتب الحنابلة والأشاعرة والمعتزلة يقف بوضوح على أنّ أكثر الاُصول الّتي اتخّذتها الطوائف الإسلاميّة اُصولاً عقائدية ليست إلاّ اُصولاً كلاميّة ناتجة من المعارك العلمية ، وليست اُصولاً للدين أعني ما يجب على كلِّ مؤمن الإيمان به بالتفصيل والبرهنة أو بالاجمال وإن لم يقترن بالبرهان.
والاُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة مؤلّفة من اُمور تعدُّ من اُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه ، ومن اُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الاُصول لغاية ردّ الفرق المخالفة الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلاميّة.
وعند ذاك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الاُصول ، وجعلته في صدر آرائها ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة ، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإمامية وغيرهم من الفرق على نحو لولا تلكم الفرق لما سمعت من هذه الاُصول ذكراً ، « وليس هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام » ، فإنّ السلفيّين وأهل الحديث والحنابلة وبعدهم الأشاعرة ذهبوا هذا المذهب فقاموا بتنظيم قائمة بيّنوا فيها « قولهم
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة ، ص ١٢٤.