محاولة الأشاعرة لتصحيح تثنية القديم
لمّا كان ما استند إليه أهل الاعتزال من البرهان في نفي الصفات الزائدة برهاناًدامغاً قاطعاً للنزاع ، حاول أهل التفكير من الأشاعرة نقده ، ولكن أتوا بالعجب العجاب. فهذا هو القاضي عضد الدين الإيجي يجيب عن البرهان في مواقفه بقوله : « إنّ الكفر إثبات ذوات قديمة لا ذات وصفات » (١) وقد أقرّه شارحه الشريف الجرجاني.
وهو من الوهن بمكان ، إذ هو أشبه بتخصيص القاعدة العقليّة ، والقاعدة العقليّة لا تخصّص. إذ لسائل أن يسأل : أيّ فرق بين الذات والوصف حتّى يكون القول بتعدّد الأوّل موجباً للكفر دون الثاني ، مع أنّ ملاك الكفر موجود في كلا الموضعين ، فإنّ القول بتعدّد القدماء قول بتعدّد الواجب ، قول بتعدد الغنيّ بالذات المستغني عن غيره ، قول بتعدّد من يكون وجوده عن ذاته لا عن غيره ، وهذا كلّه من صفات الباري عزّ اسمه ، فلو كانت صفاته غير ذاته وكانت قديمة ، تكون واجبة غنيّة عن كلّ شيء ، واجدة لوجودها.
وهناك محاولة ثانية للتخلّص عن تعدّد القدماء وهي القول بأنّ الصفات لا هو ولا غيره (٢) وهذا أشبه باللّغز مع أنّ العقائد الإسلاميّة تتّسم بسمة الوضوح والسهولة ، لا التعقيد والغموض الّذي ربّما ينتهي في المقام إلى رفع النقيضين.
ولو قال بحدوث الصفات ـ ولن يقول أبداً ـ يكون الفساد أفحش، والمصيبة أعظم ، لأنّ اتّصافه بالقدرة الحادثة مثلاً إمّا بالاختيار وإمّا بالإيجاب. والأوّل محال لاستلزامه محذور التسلسل في صفاته ، لأنّ الكلام ينتقل إلى القدرة الثانية. فهل اتّصافه بها عن اختيار أو بايجاب؟ فعلى الأول يعود السؤال فيلزم التسلسل. وعلى الثاني يلزم أن يكون فاعلاً موجباً بالذات ، وأىُّ نقص أعظم من تصوير مبدأ الكمال والجمال وخالق
__________________
١ ـ المواقف : ص ٢٨٠.
٢ ـ أوائل المقالات : ص ١٧.