قال الشهرستاني : « انفرد أبو الهذيل بعشر قواعد ، الاُولى : إنّ الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته ، قادر بقدرة وقدرته ذاته ، حيّ بحياة وحياته ذاته ، وإنّما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الّذين اعتقدوا أنّ ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه ، وإنّما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته بل هي ذاته » (١).
ولو صحّ نقل هذه الكلمات عن أبي الهذيل فهو لا يهدف إلى إنكار أسمائه كالعالم والقادر والحي ، ولا إلى إنكار صفاته من العلم والقدرة والحياة ، بل يعترف بهما معاً ، غير أنّه يقول باتّحاد الصفات مع الذات وجوداً وعينيّة ، وتغايرهما مفهوماً دفعاً للاشكالات المتوجّهة إلى القول بالزيادة.
ولأجل إيقاف القارئ على مرام الشيخ أبي الهذيل نأتي بالتوضيح التالي :
إنّ المتبادر من قولنا « عالم ، قادر ، حيّ » في نظر أهل اللّسان هو الذات الموصوفة بالعلم والقدرة والحياة ، بمعنى أنّه يتبادر مفهوم بسيط ينحلّ إلى ذلك المركّب مآلاً. فتكون هناك اثنينيّة باعتبار أنّ هناك موصوفاً ومعروضاً ووصفاً وعرضاً.
هذا هو المتبادر في الاستعمالات العرفيّة ، ولا يمكن إنكار ذلك أبداً. ولكنّه بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على الله ، لاستلزامه تثنية الواجب أوّلاً ، وتركّبه من شيئين ثانياً ، واستكماله بغيره ثالثاً. فلأجل ذلك يجب أن يصار في توصيفه سبحانه إلى فرض آخر يحفظ معه أمران : كونه سبحانه واجداً لحقيقة العلم والقدرة والحياة حتّى لا يلزم التّعطيل ، وكونه واحداً بسيطاً غير مركّب من شيء وشيء حتّى لا ترد الاشكالات الثلاثة الماضية ، والتحفّظ على هذين الأمرين لا يحصل إلاّ بالقول بأنّ أوصافه سبحانه ونعوته كلّها موجودة بوجود واحد وهو وجود الذات ، وهي بمفردها مصداق لهذه النعوت ، ويكفي نفس وجودها في حمل هذه الصفات الكماليّة عليها بلا طروء تعدُّد في مرحلة الذات. ولأجل تقريب المطلب وأنّه يمكن أن تحمل صفات كثيرة على شيء
__________________
١ ـ الملل والنحل : ج ١، ص ٤٩ ـ ٥٠.