« إنّ العَدْل مصدر عَدَلَ يَعْدلُ عَدْلاً ، ثمّ قد يذكر ويراد به الفعل ، وقد يذكر ويراد به الفاعل ، فإذا وصف به الفعل ، فالمراد به كلّ فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به غيره أو ليضرّه.
فأمّا إذا وصف به الفاعل ، فعلى طريق المبالغة كقولهم للصائم : صوم ، ونحن إذا وصفنا القديم تعالى بأنّه عدل حكيم ، فالمراد به أنّه لا يفعل القبيح ، أو لا يختاره ، ولا يخلّ بما هو واجب عليه ، وأنّ أفعاله كلّها حسنة ، وقد خالفنا في ذلك المجبِّرة وأضافت إلى الله تعالى كلّ قبيح » (١).
إنّ إثبات عدله سبحانه مبنيّ على ثبوت اُمور ثلاثة :
الأوّل : إنّ هناك أفعالاً تتّصف بذاتها بالحسن والقبح.
الثاني : إنّ الله تعالى عالم بحسن الأشياء وقبحها.
الثّالث : إنّه سبحانه لا يصدر منه القبيح.
أمّا الأوّل : فقد برهنوا عليه بوجوه مختلفة ، أوضحها ما أشار إليه أبو عبدالله البصري في عبارة مختصرة وقال : « إنّ كلّ عاقل يستحسن بكمال عقله التّفرقة بين المحسن والمسيء ، وإنّما تفرق بينهما الحسنة وإلاّ فلا نفع في ذلك ولا دفع ضرر ».
قال القاضي عبدالجبّار : « ومعرفة حسن الأفعال أو قبحها كمعرفة حسن الصِّدق وقبح الكذب ، إنّما يعلم ببداهة العقول. أمّا استنباط وجوه الحسن أو القبح في فعل معيّن فذلك يحتاج الى تفكير واستدلال ، ومن ثمّ لا تختلف العقول في التّمييز بين حسن الأفعال وقبحها على وجه الجملة ، كمعرفة قبح الظّلم ، ولكنّها تختلف في الحكم على الإفعال تفصيلاً ، فيستحسن الخوارج قتل مخالفيهم بينما تستقبح ذلك معظم فرق المسلمين » (٢).
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٣٠١.
٢ ـ المغني : ج ٦، ص ٢٠.