وحده ولا يكون للّه سبحانه فيه شأن ، لما أنّ هناك فاعلين مستقلّين : « الله » و « الإنسان » ، ولكلِّ مجاله الخاص. وعند ذلك لا يرتبط مقدور العبد بالله سبحانه كما لا يرتبط مقدوره بعباده ، ولكنّه باطل ، لما عرفت من أنّ العلّتين ليستا عرضيّتين بل طوليّتين ، فالعلل الامكانيّة في طول العلّة الواجبة ، وبما أنّه تنتهي العلل إلى الواجب ، يكون مخلوق العبد مخلوقه سبحانه.
المسألة الثانية :
في أنّ أفعال العباد ، ليست مخلوقة للّه سبحانه
من فروع القول بالعدل كون فعل الإنسان فعله ، لا فعل خالقه.
توضيحه : أنّ أهل الحديث والأشاعرة يعتقدون بكون أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ، وعندئذ يلزم على أصول الاعتزال كونه سبحانه موصوفاً بفعل القبيح ، وذلك لأنّ أفعال العباد بين حسن وقبيح ، فلو كان هو الفاعل يلزم أن يكون فاعل القبيح. ثمّ الجزاء على القبيح قبيح مع كون الفاعل هو الله سبحانه.
ويفصّل القاضي الأقوال في المسألة على النّحو التالي :
١ ـ العباد هم المحدثون لأفعالهم ، ويقابلهم الجبريّة كالجهميّة القائلون بأنّ أفعالهم مخلوقة للّه ولا تعلّق لها بالعباد.
٢ ـ من ذهب إلى كونها مخلوقة للّه ولكن لها تعلّق بهم من جهة الكسب.
٣ ـ من سوّى في هذه القضيّة بين المباشر والمتولّد ، وقال : كلاهما مخلوق للّه سبحانه ومتعلّق بنا من جهة الكسب ، وينسب هذا إلى ضرار بن عمرو.
٤ ـ ومنهم من فصل بين المباشر والمتولّد ، فقال : إنّ المباشر خلق الله تعالى فينا متعلّق بنا من حيث الكسب ، وأمّا المتولّد كالاحراق بعد الالقاء فالله تعالى متفرّد بخلقه.
وبما أنّا استوفينا الكلام في عقيدة الأشاعرة ومفهوم الكسب في الجزء الثاني ،