نركّز البحث هنا على عقيدة المعتزلة. فالمنقول عنهم تفويض ، أفعال العباد إلى أنفسهم وأنّهلا شأن للّه سبحانه في أفعال عباده ، فذواتهم مخلوقة للّه وأفعالهم مفوّضة إلى أنفسهم.
وبعبارة ثانية : العباد في ذواتهم محتاجون إلى الواجب لا في أفعالهم وحركاتهم وسكناتهم. فالمعتزلة في كتب الأشاعرة والشّيعة الإماميّة ، مرميّة بهذه العقيدة ، وإليك نقل ما يعرب عن مذهبهم :
١ ـ قال الأشعري : « زعمت المعتزلة أنّ الله تعالى لم يخلق الكفر والمعاصي ولا شيئاً من أفعال غيره. وأنّ الله خلق الكافر لا كافراً ، ثمّ إنّه كفر وكذلك المؤمن ، واختلفت في الإنسان يخلق فعله أم لا ، على ثلاث مقالات :
فزعم بعضهم أنّ معنى فاعل وخالق واحد ، وأنّا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنّا مُنعنا منه.
وقال بعضهم : هو الفعل لا بآلة ولا بجارحة ، وهذا يستحيل منه.
وقال بعضهم : معنى خالق : أنّه وقع منه الفعل مقدّراً ، فكلّ من وقع فعله مقدّراً فهو خالق ، قديماً كان أم محدثاً » (١).
وحاصله أنّهم لم يقولوا بكون أفعال العباد مخلوقة للِّه ، وأمّا كونها مخلوقة لأنفسهم فمن فسّر الخلق بالايجاد لا بآلة ولا بجارحة ، فمنع عن الاطلاق. وأمّا من فسّر الخلق بالتّقدير فقد جوّزه ، وسيوافيك التصريح من أبي بكر الأنباري وغيره أنّ الخلق ربّما يستعمل في التّقدير.
٢ ـ وقال البغدادي : « وقالت المعتزلة : إنّ الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ، ولا لشيء من أعمال الحيوانات ، وقد زعموا أنّ الناس هم الّذين يقدرون على أكسابهم وأنّه ليس للّه عزّوجلّ في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير » (٢).
__________________
١ ـ مقالات الاسلاميين : ص ٢٩٥ ط ٢.
٢ ـ الفرق بين الفرق : ص ١١٤ ـ ١١٥.