٣ ـ وقال القاضي عبدالجبّار : « ذكر شيخنا أبو عليّ رحمهالله : اتّفق كلّ أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم وقيامهم وقعودهم ، حادثة من جهتهم ، وأنّ الله عزّوجلّ أقدرهم على ذلك ، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم ، وأنّ من قال إنّ الله سبحانه خالقها ومحدثها ، فقد عظم خطاؤه ، وأحالوا حدوث فعل من فاعلين » (١).
٤ ـ وقال أيضاً : « نحن نبيّن أنّ العبد إنّما يقدر على إحداث وإيجاد ، وأنّ القدرة لا تتعلّق بالشّيء إلاّ على طريق الحدوث ، وأنّه يستحيل أن يفعل الشيء من وجهين ، ويستحيل تعلّق الفعل بفاعلين محدثين ، أو قديم ومحدث.... ونبيِّن من بعد إبطال قول من أضاف أفعال العباد إلى الله تعالى. ونذكر ما يلزمهم على قوده من الفساد ، والخروج عن الدّين ، والتزام جحد الضروريات » (٢).
٥ ـ قال صدر المتألّهين : « ذهبت جماعة إلى أنّ الله أوجد العباد وأقدرهم على بعض الأفعال ، وفوّض إليهم الاختيار ، فهم مستقلّون بايجادها على وفق مشيئتهم وطبق إرادتهم » (٣).
وهذه النصوص الخمسة من أكابر الأشاعرة والمعتزلة والإماميّة ، تحاول أن ترميهم بالتّفويض وإن لم تكن في الصّراحة بمكان يجزم الإنسان معها بصحّة النّسبة. ولأجل ذلك يلزم المزيد من التتبّع في كتبهم الّتي قصرت أيدينا عنها. ولأجل التّوضيح نبحث عن اُمور :
١ ـ لا شكّ في وجود القول بالتّفويض في عصر الإمام الباقر عليهالسلام كيف وقد طلب عبدالملك بن مروان ( ت ٨٦ هـ ) ، من عامله في المدينة ، أن يوجّه محمّد بن علي الباقر إلى الشام حتّى يناظر قدريّاً أعيى الشاميين جميعاً. فبعث الإمام ولده جعفراً الصادق عليهالسلام. فلمّا ورد الشام واجتمع مع القدري ، فقال للإمام : سل عمّا شئت. فقال : إقرأ سورة الحمد. قال : فقرأها ... حتّى بلغ قول الله تبارك وتعالى : ( إيّاك نَعْبُدُ و
__________________
١ ـ المغني : ج ٦، الارادة ص ٤١ وج ٨، ص ١.
٢ ـ المغني : ج ٦، الارادة ص ٤١ وج ٨، ص ١.
٣ ـ رسالة خلق الأعمال.