( وَبَلَوناهُم بالحَسَناتِ والسّيئاتِ لعلَّهُم يَرجِعون ) ( سوره الأعراف / ١٦٨ )
والمراد من الحسنات والسّيئات ، نعماء الدّنيا وضرّاؤها ، وكأنّ الهدف من ابتلائهم بهما هو رجوعهم إلى الحقّ والطّاعة.
و يقول سبحانه : ( وما أرسَلْنَا في قَرْيَة مِن نَبِىّ إلاّ أخَذْنا أهلَها بالبَأْساءِ والضََّرّاءِ لَعَلَّهُم يَضّرّعُون ) ( سوره الأعراف / ٩٤ ) وفي الآية إشارة إلى كلا القسمين من اللّطف ، ومفاد الآية أنّ الله تعالى أرسل رسله لإِبلاغ تكاليفه إلى العباد وإرشادهم إلى طريق الكمال ( اللّطف المحصِّل ) ، غير أنّ الرّفاه والرّخاء والتوغّل في النّعم المادّية ، ربّما يسبِّب الطّغيان وغفلة الإِنسان عن هدف الخلقة وإجابة دعوة الأنبياء ، فاقتضت حكمته تعالى أخذهم بالبأساء والضرّاء ، لعلّهم يَضّرّعون ويبتهلون إلى الله تعالى.
ولأجل ذلك نشهد أنّ الأنبياء لم يكتفوا باقامة الحجّة والبرهان ، والإتيان بالمعاجز، بل كانوا ـ مضافاً إلى ذلك ـ مبشِّرين ومنذرين ، وكان التّرغيب والتّرهيب من شؤون رسالتهم ، قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرين ومُنذِرينَ ) ( سورة النساء / ١٦٥ ) والإنذار والتّبشير دخيلان في رغبة النّاس بالطّاعة وابتعادهم عن المعصية.
وفي كلام الإِمام عليّ عليهالسلام إشارة إلى هذا :
قال عليهالسلام : « أيّها الناس ، إنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق خلقَه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة ، فعلم أنّهم لم يكونوا كذلك إلاّ بأن يعرّفهم ما لهم وما عليهم ، والتّعريف لا يكون إلاّ بالأمر والنّهي (١) ، والأمر والنّهي لا يجتمعان إلاّ بالوعد والوعيد ، والوعد لا يكون إلاّ بالتّرغيب ، والوعيد لا يكون إلاّ بالتّرهيب ، والتّرغيب لايكون إلاّ بما تشتهيه أنفسهم وتلذّه أعينهم ، والتّرهيب لا يكون إلاّ بضدّ ذلك ... الخ » (٢).
وقوله عليهالسلام : « والأمر والنّهي لا يجتمعان إلاّ بالوعد والوعيد » إشارة إلى أنّ
__________________
١ ـ هذا إشارة إلى اللطف المحصل.
٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٥، كتاب العدل والمعاد ، الباب الخامس عشر ، الحديث ١٣، ص ٣١٦.