امتثال الأمر والنّهي ونفوذهما في نفوس النّاس ، يتوقّف على الثّواب والعقاب ، فلولاهما لما كان هناك حركة إيجابيّة نحو التّكليف إلاّ من العارفين الّذين يعبدون الله تعالى ، لا رغبة ولا رهبة ، بل لكونه مستحقّاً للعبادة.
فتحصّل من ذلك أنّ ما هو دخيل في تحقّق الرّغبة بالطّاعة ، والابتعاد عن المعصية في نفوس الأكثريّة الساحقة من البشر ، يجب على الله سبحانه القيام به صوناً للتّكليف عن اللّغو ، وبالتالي صوناً للخلقة عن العبث.
نعم ، إذا كانت هذه المبادئ كافية في تحريك الأكثريّة نحو الطّاعة ، ولكنّ القليل منهم لا يمتثلون إلاّ في ظروف خاصّة كاليسار في الرزق ، أو كثرة الرفاه ، فهل هو واجب على الله سبحانه؟ الظّاهر لا ، إلاّ من باب الجود والتّفضّل.
وبذلك يعلم أنّ اللّطف المقرِّب إذا كان مؤثّراً في رغبة الأكثريّة بالطّاعة وترك المعصية يجب من باب الحكمة ، وأمّا إذا كان مؤثّراً في آحادهم المعدودين ، فالقيام به من باب الفضل والكرم. وبذلك تقف على مدى صحّة ما استدلّ به بعضهم على اللّطف في المقام ، أو سقمه.
استدلّ القاضي عبد الجبّار على وجوب اللّطف بقوله : « إنّه تعالى كلّف المكلّف ، وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثّواب ، وعلم أنّ في مقدوره ما لو فعل به لاختار عنده الواجب ، واجتنب القبيح ، فلا بدّ من أن يفعل به ذلك الفعل وإلاّ عاد بالنّقض على غرضه ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذ أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى طعام قد اتّخذه ، وعلم من حاله أنّه لا يجيبه ، إلاّ إذا بعث إليه بعض أعزّته من ولد أو غيره ، فإنّه يجب عليه أن يبعث ، حتّى إذا لم يفعل عاد بالنّقض على غرضه وكذلك هيهنا » (١).
قال الشّهرستاني : « اللّطف عبارة عن كلِّ ما يوصل الإنسان إلى الطّاعة ويبعِّده عن المعصية ، ولمّا كان الله عادلاً في حكمه ، رؤوفاً بخلقه ، ناظراً لعباده ، لا يرضى لعباده
__________________
١ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٥٢١.