يلاحظ عليه : أوّلاً : إنّ دلالة الآية على خلود الفاسق في النّار لا يتجاوز حدّ الاطلاق ، والمطلق قابل للتّقييد ، وقد خرج عن هذه الآية باتّفاق المسلمين ، الفاسق التائب. فلو دلّ دليل هنا على أنّ المسلم الفاسق ربّما تشمله عناية الله ورحمته ، ويخرج عن العذاب ، لكان المطلق مقيّداً بقيد آخر وراء التّائب. فيبقى تحت الآية ، المشرك والمنافق.
وثانياً : إنّ الموضوع في الآية ليس مطلق العصيان ، بل العصيان المنضمّ إليه تعدّي حدود الله ، ومن المحتمل جدّاً أنّ المراد من التعدّي هو رفض أحكامه سبحانه ، وطردها ، وعدم قبولها. كيف ، وقد وردت الآية بعد بيان أحكام الفرائض.
يقول سبحانه : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيَن ... ) ( النساء / ١١ ).
ويقول سبحانه : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم ... ) ( النساء / ١٢ ).
ويقول سبحانه : ( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ ومَنْ يُطِعِ اللّهَ ورَسُولَه ... ) ( النساء / ١٣ ).
ثمّ يقول سبحانه : ( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَه ... ) ( النساء / ١٤ ).
وقوله : ( ويتعدّ حدوده ) وإن لم يكن ظاهراً في رفض التّشريع ، لكنّه يحتمله ، بل ليس الحمل عليه بعيداً بشهادة الآيات الاُخرى الدالّة على شمول غفرانه لكلِّ ذنب دون الشّرك ، أو شمول رحمته للناس على ظلمهم إلى غير ذلك من الآيات الواردة في حقّ الفاسق غير التائب كما سيوافيك.
يقول الطّبرسي رحمهالله : « إنّ قوله : ( ويتعدّ حدوده ) ظاهر في تعدّي جميع حدود الله ، وهذه صفة الكفّار. ولأنّ صاحب الصّغيرة بلا خلاف خارج عن عموم الآية وإن كان فاعلاً للمعصية ، ومتعدّياً حدّاً من حدود الله. وإذا جاز إخراجه بدليل ، جاز لغيره أن يخرج من عمومها من يشفع له النّبي ، أو يتفضّل الله عليه بالعفو ، بدليل آخر. وأيضاً فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية لقيام الدّليل على وجوب قبول