إلاّ إشخاص أحمد ومحمّد بن نوح موثّقين في الحديد إلى طرسوس وإشخاص غيرهما مطلقين ، ولمّا بلغهم وفاة المأمون رجعوا من الرقّة ولم يسيروا إلى طرسوس.
هذا وقد ذكر القصّة اليعقوبي بصورة مختصرة وقال :
« وصار المأمون إلى دمشق سنة ( ٢١٨ هـ ) وامتحن النّاس في العدل والتّوحيد وكتب في إشخاص الفقهاء من العراق وغيرها فامتحنهم في خلق القرآن وأكفر من امتنع أن يقول ـ : القرآن غير مخلوق ، وكتب أن لا تقبل شهادته ، فقال كلّ بذلك إلاّ نفراً يسيراً » (١).
هذا تفصيل المحنة أيّام المأمون ، وأمّا ما وقع في أيّام الخليفتين : المعتصم والواثق ، فسيوافيك بيانه بعد تعليقتنا.
إنّ هنا أُموراً لا بدّ من الإلفات إليها :
١ ـ لم يظهر من كتب الخليفة إلى صاحب الشّرطة وجه إصراره على أخذ الاعتراف من المحدِّثين بخلق القرآن. فهل كان الحافز إخلاصه للتوحيد ، وصموده أمام الشِّرك ، أو كان هناك مرمى آخر لإثارة هذه المباحث ، حتّى ينصرف المفكِّرون بسبب الاشتغال بهذه المباحث عن نقد أفعالهم وانحرافاتهم ، وبالتّالي إيقاف الثّورة أو إضمارها. فإنّ القلوب إذا اشتغلت بشيء ، منعت عن الاشتغال بشيء آخر.
٢ ـ لو كانت الرِّسالة مكتوبة بيد الخليفة أو باملائه ، فهي تحكي عن عمق تفكيره في المباحث الكلاميّة ، وإحاطته بأكثر الايات وقد جاء في المقام بأسدِّ الدّلائل وأتقنها ، حيث استدلّ تارة بتعلّق الجعل بالقرآن ، وأُخرى باحاطة اللّوح المحفوظ به ، ولا يحاط إلاّ بمخلوق ، وثالثة بتوصيفه ب ـ « محدث » ، ورابعة بتوصيفه بصفات كلّها صفات
__________________
١ ـ تاريخ اليعقوبي : ج ٢، ص ٤٦٨، ط دار صادر.