القرآن ، فيرى أنّ بشر بن الوليد ، وإبراهيم المهدي مستحقّان لضرب العنق إذا استتيبا ولم يتوبا ، والباقين مستحقّون للإشخاص إلى عسكره ، مع أنّ الجرم واحد ، والكلّ كانوا محدِّثين فهماء ، ولم يكن الأوّلان قائدي الشرك ، والباقون مقتفيه. فلو كان القول بعدم خلق القرآن أو قدمه موجباً للردّة والرجوع إلى الشرّك فالحكم الإلهي هو القتل وإلاّ فلا ، وهذا يعرب عن أنّ جهاز القضاء كان أداة طيّعة بأيدي الخلفاء ، يستغلّونه حسب أهوائهم.
٧ ـ إنّ محنة القائلين بعدم خلق القرآن ، تمّت في زمن الخليفة المأمون بالإشخاص والإبعاد من دار السّلام إلى طرسوس. غير أنّ التأريخ يذكر إشخاص اثنين موثّقين إلى عسكر الخليفة ، وإشخاص الباقين بلا قيود ولا ضرب ولا قتل إلى الخليفة. ولم يحدّث التاريخ هنا عن ضرب وقتل.
ولكنّ المحنة لم تنته بموت المأمون ، بل استمرّت في خلافة أخيه المعتصم ، فالواثق ابنه ولكن بصورة سيّئة ، حدث عنها التّاريخ.
قضى المأمون نحبه وجاء بعده أخوه المعتصم ( ٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ ) فضيّق الأمر على القائلين بعدم خلق القرآن.
يقول اليعقوبي : « وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن ، فقال أحمد : أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا ، فأحضر له الفقهاء وناظره عبدالرّحمان بن إسحاق وغيره ، فامتنع أن يقول إنّ القرآن مخلوق ، فضرب عدّة سياط. فقال إسحاق بن إبراهيم : ولِّني يا أمير المؤمنين مناظرته فقال : شأنك به.
إسحاق بن ابراهيم : هذا العلم الّذي علمته نزل به عليك ملك أو علمته من الرجال؟
ابن حنبل : علمته من الرِّجال.
إسحاق : علمته شيئاً بعد شيء أو جملة؟
ابن حنبل : علمته شيئاً بعد شيء.