قضى الواثق نحبه وقام مقامه المتوكّل وأمر الناس بترك النظر والبحث والجدال وترك ما كانوا عليه في أيّام الخلفاء الثلاث : المأمون والمعتصم والواثق ، وأمر شيخ المحدِّثين بالتحديث وإظهار السنّة (١).
قال اليعقوبي : « نهى المتوكِّل النّاس عن الكلام في القرآن وأطلق من كان في السّجون من أهل البلدان ، ومن أخذ في خلافة الواثق ، فخلاّهم جميعاً وكساهم ، وكتب إلى الآفاق كتباً ينهي عن المناظرة والجدل » (٢).
هذه هي الضّربة الأُولى الّتي وجّهها المتوكِّل إلى المعتزلة ، وأقفل باب البحث والمناظرة الّذي كان لصالح المعتزلة على ضدِّ أهل الحديث ، حيث كان المعتزلة يتفوّقون على خصمائهم في مجال النِّقاش. ومع ذلك كلّه لم يكن ذلك ضربة قاضية لنظام الاعتزال ، ولأجل ذلك لم يعزل أحمد بن دؤاد عن قضاء القضاة ولا عن مظالم العسكر ، بل أبقاه على منصبه إلى أن عجز عن القيام بالعمل لإصابته بالفالج عام ٢٣٣ واختار بعده ولده محمّد بن أحمد.
يقول الخطيب : « فلمّا فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة سنة ٢٣٣... ولّى المتوكِّل ابنه محمّد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه » (٣).
ومن المعلوم أن أحمد بن أبي دؤاد هو العامل المؤثِّر في دعوة الخلفاء على ضدِّ أهل الحديث القائلين بقدم القرآن أو كونه غير مخلوق.
ويظهر من ابن الجوزي في كتاب مناقب الإمام أحمد أنّ المتوكِّل وجّه إلى المعتزلة ضربة ثانية مؤثِّرة في إبعادهم عن ساحة المساجد والمدارس وإشخاص أهل الحديث
__________________
١ ـ مروج الذهب : ج ٤، ص ١.
٢ ـ تاريخ اليعقوبي : ج ٢، ص ٤٨٤ ـ ٤٨٥.
٣ ـ تاريخ بغداد : ج ١، ص ٢٩٨.