ودعوتهم إليها. يقول : « في سنة ٢٣٤ أشخص المتوكِّل الفقهاء والمحدِّثين ، وأمرهم أن يجلسوا للنّاس وأن يحدِّثوا بالأحاديث فيها الردّ على المعتزلة والجهميّة ، وأن يحدِّثوا في الرّؤية ، فجلس عثمان بن أبي شيبة فى مدينة المنصور ، ووضع له منبر واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً من الناس ، وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً » (١).
والتّاريخ يعرب عن شدّة تفاقم أمر المعتزلة سنة بعد سنة وانجذاب المتوكِّل إلى أهل الحديث ، وتخطئة عمل أبيه الواثق ، حيث إنّ أباه قتل بسيفه أحمد بن نصر لأجل قوله بعدم خلق القرآن وصلبه وكانت جثّته باقية على الصّليب إلى عام ٢٣٧، ولكنّ المتوكِّل أمر بإنزال جثّته وهو نوع تخطئة لعمل أبيه أوّلاً ، وإمضاء لمنهج أهل الحديث ثانياً.
يقول الطبري : « وقد كان المتوكِّل لمّا أفضت إليه الخلافة ، نهى عن الجدال في القرآن وغيره ، ونفذت كتبه بذلك إلى الآفاق ، وهمّ بإنزال أحمد بن نصر عن خشبته ، فاجتمع الغوغاء والرّعاع إلى موضع تلك الخشبة وكثروا وتكلّموا ، فبلغ ذلك المتوكّل ، فوجّه إليهم نصربن اللّيث ، فأخذ منهم نحواً من عشرين رجلاً فضربهم وحبسهم ، وترك إنزال جثّة أحمد بن نصر من خشبته لما بلغه من تكثير العامّة في أمره ، وبقي الّذين أُخِذوا بسببه في الحبس حيناً ... فلمّا دفع بدنه إلى أوليائه في الوقت الّذي ذكرت ، حمله ابن أخيه موسى إلى ( بغداد ) وغسل ودفن وضمّ رأسه إلى بدنه » (٢).
ومع ذلك لم يكتف في قطع جذور المعتزلة عن بلاطه وصار بصدد الانتقام من آل ابن أبي دؤاد. يقول الطبري : « وفي سنة ٢٣٧ غضب المتوكِّل على ابن أبي دؤاد وأمر بالتّوكيل على ضياع أحمد بن أبي دؤاد لخمس بقين من صفر ، وحبس يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأوّل ابنه أبا الوليد محمّد بن أحمد بن أبي دؤاد في ديوان الخراج
__________________
١ ـ مناقب الامام أحمد : ص ٣٧٥ ـ ٣٨٥.
٢ ـ تاريخ الطبري : ج ٧، حوادث سنة ٢٣٧، ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩.