وأهل الدقّة من أهل السنّة حاولوا الجمع بين حصر الخلق في اللّه سبحانه ، وصحّة تكليف العباد ، فقالوا إنّ الله هو الخالق ، والعبد هو الكاسب ، والتكليف ، والأمر ، والنهي ، والثواب ، والعقاب ، بالملاك الثّاني دون الأوّل ، وقد أخذوا مصطلح الكسب من الذّكر الحكيم. قال سبحانه ( لهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا ما اكْتسبَتْ ) ( البقرة / ٢٨٦ ) لكنّهم اختلفوا في تفسير حقيقة الكسب إلى حدّ صارت النظرية إحدى الألغاز إلاّ ما نقل عن الماتريدي وإمام الحرمين من الأشاعرة ، فقد استطاعوا من توضيحها إلى حدّ معقول ومقبول.
ولا يعلم مدى الاختلاف بين المدرستين في تفسير الكسب إلاّ بنقل نصوصهما في هذا المجال.
معنى الكسب عند الأشعري :
قال الفاضل القوشجي وهو من أئمّة الأشاعرة : « المراد بكسبه إيّاه ، مقارنته لقدرته وإرادته ، من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاله » (١). وحاصله أنّه ليس للعبد دور في خلق الفعل وإيجاده ، غير كونه ظرفاً ومحلا لخلق اللّه وإيجاده ، غاية الأمر إنّ شرط إيجاده سبحانه هو قصد العبد وعزمه ، فإذا قصد وعزم وحدثت فيه القدرة غير المؤثِّرة ، خلق الله الفعل وأوجده ، من دون أن يكون لقدرة العبد دور وتأثير ، وهذه النظرية قد شغلت بال أئمّة الأشاعرة طوال قرون ، وقد بذلوا الجهود لتبيينها فما أتوا بشيء يسكن إليه القلب.
إذ لقائل أن يسأل ويقول :
١ ـ إذا كان الخالق للفعل هو اللّه سبحانه مباشرة ، ولم يكن لقدرة العبد دور فيه ، فلماذا صار الإنسان هو المسؤول عن فعله دون الله سبحانه ، مع أنّ الفعل فعله ، لا فعل الإنسان.
__________________
١ ـ شرح التجريد للقوشجي : ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.