٢ ـ إذا كانت القدرة الحادثة في العبد ، غير مؤثِّرة في الإيجاد والتكوين ، فما هو الغاية في إحداثها في العبد ، وإقداره على العمل ، أليس هذا عملاً لغواً غير مناسب لساحة الفاعل الحكيم؟
٣ ـ إذا كان قصد العبد وعزمه شرطاً لإيجاده سبحانه الفعل بعده ، فيسأل عن نفس ذاك القصد فمن خالقه؟ فهل هو مخلوق للقاصد ، أو للّه سبحانه؟ فعلى الأوّل تنتقض القاعدة « لا خالق إلاّ اللّه » ويثبت في صحيفة الكون ، فعل مخلوق للعبد دونه سبحانه ، وعلى الثاني تتّحد النظرية مع نظريّة الجهميّة الّتي عرّفوها بالجبريّة الخالصة ، فإذا كان وجود العبد وقصده وقدرته غير المؤثرة فعلاً مخلوقاً للّه سبحانه فبأيّ ذنب يدخل العاصي النّار؟ وبأيّ عمل حسن ، يثاب المطيع ويدخل الجنّة.؟
والحاصل ، إنّ تفسير الكسب بإيجاده سبحانه فعل العبد عند عزمه وقصده ، يدور أمره بين نقض القاعدة ، أو ثبوت الجبر الخالص.
ولو تدبّر القوم في آيات الذّكر الحكيم خصوصاً في الآيات الناصّة على أنّه لا خالق إلاّ الله ، لوقفوا على المعنى الصحيح من الآيات والمراد منها ، وذلك لأنّ المراد من حصر الخالقيّة هو حصرها بالمعنى المناسب لشأنه سبحانه ، وليس اللاّئق بشأنه إلاّ القيام بالايجاد مستقلاً من دون استعانة من أحد ، وعليه فلا مانع من حصر الخالقيّة في اللّه سبحانه ، وفي الوقت نفسه أن يكون العبد موجداً لفعله ، بقدرة مكتسبة من اللّه وإذن منه سبحانه ، وحصر الخالقيّة المستقلّة ، غير المعتمدة على غيره ، في اللّه سبحانه ، لا ينافي نسبة الخالقيّة إلى بعض الممكنات ، لكن خالقيّة مستندة إلى القدرة المكتسبة والمعتمدة إليه ، وبالوقوف على اختلاف الخالقيّة المنسوبة إلى اللّه ، مع الخالقيّة المنسوبة إلى عبده ، يتحرّر المفسِّر من مشكلة الجبر وعقدته ، وقد أوضحنا الحال في الجزء الثاني عند عرض عقائد الأشعري (١).
__________________
١ ـ الجزء الثاني ، ص ١٢٨ ـ ١٥٨.