قالت الأشاعرة : إنّ الشأنيّ من الاستطاعة ( إن شاء فعل ) هو القدرة ، والفعليّ منها ( إذا شاء فعل ) هو التّكوين ، فليست هنا صفتان مختلفتان ، بل وصف واحد بمعنى القدرة ، له حالتان تحصلان باقتران المشيئة وعدمها ، فالقدرة قديمة ، والتّكوين حادث ، وأمّا الماتريديّة فتتلقّاهما وصفين ذاتيّين مختلفين ، والصفات الفعليّة من الخلق ، والرّزق ، والرّحمة ، والمغفرة ، تجتمع تحت وصف التكوين دون القدرة.
وعلى أيّ تقدير فهما يختلفان في مسألة اُخرى أيضاً ، وهو كون التكوين بالمعنى المصدر ، هل هو نفس المكوَّن ( اسم المصدر ) كما عليه الأشاعرة ، أو غيره كما عليه الماتريديّة ، فهناك فعل بمعنى الخلق والتكوين ، وهناك مخلوق ومكوّن في الخارج ، والمسألتان واردتان في كلام البزدوي وغيره.
قال البزدوي : قال أهل السنّة والجماعة : إنّ التكوين والإيجاد صفة الله تعالى غير حادث ، بل هو أزلي كالعلم والقدرة ( المسألة الاُولى ) والمكوّن والموجود غير التكوين ، وكذا التخليق والخلق صفة الله تعالى غير حادث بل أزليّ وهو غير المخلوق ( المسألة الثّانية ) وكذا الرحمة والإحسان وكذا الرزق والمغفرة ، وجميع صفات الفعل للّه.
وقالت الأشعرية : إنّ هذه الصفات ليست بصفات الله تعالى ، والفعل والمفعول واحد ، وقالوا في صفات الذّات كالعلم والحياة مثل قولنا (١).
وقال البياضي : وصفات الأفعال راجعة إلى صفة ذاتيّة هي التكوين ، أي مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود (٢) ، وليس بمعنى المكوّن (٣).
والإمعان في هذه العبارات وأمثالها ، يدلّ على أنّ صفات الفعل كالاحسان والرزق و .. عند الماتريديّة يجمعها وصف التكوين ، فالكلّ واقع تحته ، لا تحت القدرة ، لأنّه يكفي فيها صحّة التعليق ( إن شاء فعل ) وإن لم يفعل ، وهذا بخلاف وصف التكوين ،
__________________
١ ـ اُصول الدين للبزدوي ص ٦٩. لاحظ « إشارات المرام » ص ٦٩.
٢ ـ اسارة إلى المسألة الاُولى.
٣ ـ اسارة إلى المسألة الثانية ص ٥٣.