السنّة ، طابع التعقّل ، وقد كثرت الدعاية في عصر ظهوره ، على ضدّ أهل التعقّل والتفكّر ، وصار العكوف على النقل المحض ، وترك التعقّل والبرهنة آية القداسة ، والإمام بما أنّه أعطى للعقل سلطاناً أكبر ممّا أعطاه الأشعري ، ووافق في عدّة من الاُصول ، منهاج المعتزلة ، فصار هذا وذاك سببين لقلّة انتشاره ، وندرة أنصاره.
ومع ذلك فقد شاع مذهبه بين علماء ماوراءالنهر فقاموا بنشر دعوته ومعاضدته ، فألّفوا حول منهاجه ، كتباً ورسائل منشورة وغير منشورة.
ولأجل ايقاف القارئ على أعلام الماتريديّين نأتي بترجمة عدّة منهم :
إنّ أرباب المعاجم من الأحناف وغيرهم قد قصّروا ولم يؤدّوا حقّ الماتريدي في كتبهم ، فإذا كان هذا حال الاُستاذ فما ظنّك بحال التلامذة والأتباع ، ولأجل ذلك نجد أنفسنا أمام ظلام دامس يلفّ حياة البزدوي ، وأحسن مرجع للوقوف على حياته هو نفس كتابه « اُصول الدّين » الّذي حقّقه وقدّم له الدكتور « هانز بيتر لنس » ونشرته عام ( ١٣٨٣ هـ ) دار إحياء الكتب العربية في القاهرة ، ونقل محقّق الكتاب أنّه وجد عن طريق المصادفة في هامش كتاب خطّي لابن قطلوبغة « طبقات الحنفيّة » بجانب مَلْزَمة عن حياة البزدوي : روى السمعاني أنّه ـ أي البزدوي ـ ولد في عام ( ٤٢١ هـ ).
ويظهر من غير واحد من مواضع كتابه أنّه تلقّى العلوم على يد أبيه. يقول في مسألة : « هل الايمان مخلوق أو غير مخلوق ، ولا يجوز الاطلاق بأنّ الإيمان مخلوق » ونحن نختار هذا القول ، فإنّ هذا مذهب أبي حنيفة ، وهو ما رواه نوح بن أبي مريم الجامع ، عن « أبي حنيفة » روى لنا والدنا الشيخ الامام أبوالحسن محمّد بن الحسين بن عبد الكريم ـ رحمة الله عليه ـ هذا الحديث عن نوح بن أبي مريم (١).
__________________
١ ـ اُصول الدين ص ١٥٥ ـ ١٥٨.