بالله عليكم أيّها السادة! يا قادة الفكر في الاُمّة! يا أصحاب رسالة هداية الشباب في العصر الحاضر! إذا كان الشابّ المسلم الجامعي لا يملك من العقيدة الاسلاميّة إلاّ ما تعلّمه من نظريّات ابن تيميّة ، فهل يستطيع أن يرفع رأسه ويدافع عن عقيدته ، وكيان نحلته ، في وجه هجمات الفلسفة الماديّة الخدّاعة الّتي رفعت عقيرتها بأنّ اُصولها مستمدّة من النظريات العلميّة الّتي فرضها العلم وأثبتتها التجربة.
فإذا دار الأمر في تفسير الكون وتبيين خلق العالم ، بين ما يثيره أبناء الحنابلة وأصحاب الحديث في انتهاء العوالم الوجوديّة إلى موجود كائن في العرش عال على السماوات والأرض ، لا ينفكّ عن الحركة والسكون ، وعن الجهة والمكان وغير ذلك من لوازم الجسم والجسمانيات ، وبين القول بقدم المادّة وانطوائها تحت سنن وقوانين نابعة عن ذاتها ، إمّا عن طريق الصدفة أو عن طريق آخر ، فهل يمكن لمفكّر أن يرجّح الأول على الثاني؟ أو أنّ العقول النيّرة الممارسة للعلوم الطبيعية والحسية لا ينظرون إلى الأول إلاّ بنظر الاستهزاء والسخرية؟
وليس ابن تيميّة أوّل بادئ بهذه المهزلة المحزنة ، بل سبقه أبناء لهذا المذهب كما لحقه أنصار.
ولأجل ايقاف القارئ على تطرّف الحنابلة في أقوالهم وآرائهم تطرّفاً أدّى بهم إلى التجسيم والتشبيه نأتي بأبيات لأحد شعرائهم في هذا المجال :
فإن كان تجسيماً ثبوت استوائه |
|
على عرشه إنّي إذاً لمجسِّم |
وإن كان تشبيهاً ثبوت صفاته |
|
فمن ذلك التشبيه لا أتكتّم |
وإن كان تنزيهاً جحود استوائه |
|
وأوصافه أو كونه يتكلّم |
فعن ذلك التنزيه نزّهت ربّنا |
|
بتوفيقه والله أعلى وأعظم (١) |
__________________
١ ـ الصواعق المرسلة ج ١ ص ١٧٠ كما في المعتزلة ص ٢٥٢.