فاكتفت بأحد الأمرين من الإقرار أو المحبّة لله (١). إلى غير ذلك من الأقوال والآراء لهم في حقيقة الإيمان (٢).
وعلى ضوء هذا لا يصحّ أن يقال إنّ المرجئة هم الّذين قدّموا القول وأخّروا العمل. بل أخّروا العمل جميعاً وأمّا غيره فقد اكتفوا في تحقّق الايمان تارة بالاذعان القلبي ، وأُخرى بالاقرار باللسان ، هذه ملاحظة بسيطة حول هذه النظرية. وهناك ملاحظة أُخرى ربّما تبطل أصلها وهي :
أنّ التّاريخ يدلّ على أنّ أوّل من قال بالإرجاء هو الحسن بن محمّد بن الحنفيّة ، لا بمعنى تقديم القول أو الاذعان القلبي وتأخير العمل ، بل المراد تقديم القول في الشيخين وتصديقهما ، وتأخير القول في حقّ عثمان وعليّ وطلحة والزبير وإرجاء أمرهم إلى الله سبحانه ، والتوقّف فيهم. وإليك النّصوص التاريخيّة الّتي تدلّنا على أنّ أساس الإرجاء هوالتوقّف في حق الخليفتين الأخيرين والمقاتلين لهما.
قال ابن سعد : « كان الحسن بن محمّد بن الحنفيّة أوّل من تكلّم بالإرجاء وعن زاذان وميسرة أنّهما دخلا على الحسن بن محمّد بن علي ، فلاماه على الكتاب الّذي وضعه على الإرجاء. فقال لزاذان : « يا أبا عمرو لوددت أنّي كنت مِتُّ ولم أكتبه » وتوفّي في خلافة عمر بن عبد العزيز » ! (٣).
وقال ابن كثير في ترجمة الحسن : « وكان عالماً فقيهاً عارفاً بالاختلاف والفقه. وقال أيّوب السختياني وغيره : كان أوّل من تكلّم في الإرجاء ، وكتب في ذلك رسالة ، ثمّ ندم عليها. وقال غيرهم : كان يتوقّف في عثمان وطلحة والزّبير ، فلا يتولاّهم ، ولا يذمّهم. فلمّا بلغ ذلك أباه محمّد بن الحنفيّة ضربه فشجّه وقال : ويحك ألاّ تتولّى أباك عليّاً. وقال أبوعبيد : توفّي سنة خمس وتسعين. وقال خليفة : توفّي أيّام عمر بن عبد العزيز
____________
١ ـ الفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ط مصر.
٢ ـ فصل الأشعري في المقالات اختلافهم في الايمان ، وجعلهم اثنتا عشرة فرقة لاحظ ص ١٣٥ ـ ١٣٦.
٣ ـ الطبقات الكبرى ج ٥ ص ٣٢٨.