بعدهما ممّن دخل الفتنة ، فنكل أمرهم إلى الله ـ إلى آخر الكلام. فمعنى الّذي تكلّم فيه الحسن أنّه كان يرى عدم القطع على إحدى الطائفتين المقتتلتين في الفتنة بكونه مخطئاً أو مصيباً وكان يرى أنّه يرجئ الأمر فيهما ، وأمّا الإرجاء الّذي يتعلّق بالايمان فلم يعرج عليه فلا يلحقه بذلك عاب » (١).
هذا التاريخ المتضافر يدلّنا على اُمور :
١ ـ إذا كان الحسن بن محمّد الحنفيّة هو الأصل في الإرجاء فيرجع أصل الارجاء وتاريخه إلى الربع الأخير من القرن الأوّل للهجرة ، وقد توفّي محمّد بن الحنفيّة والد المؤسِّس عام ثمانين أو إحدى وثمانين ، عن عمر يناهز خمساً وستين سنة ، وقد توفّي ولده الحسن ( أصل الارجاء ) عام تسعة وتسعين أو قبله أو بعده بقليل ، وعليه يعود ظهور الإرجاء إلى حوالي عام سبعين من الهجرة ، أو ما يقاربه.
٢ ـ إنّ الحسن بن محمّد هو وليد البيت الهاشمي العريق في الولاء والمحبّة لأميرالمؤمنين وشيعته ومحبّيه وأصحابه ، وعند ذاك كيف يكون مثل هذا الشخص أساساً للإرجاء بهذا المعنى ، ولعلّه أظهر هذه الفكرة في بداية الأمر ( وإن ندم عليه في أواخر عمره وتمنّى الموت قبل كتابة ما كتبه ) لغاية توحيد الكلمة ، وإيقاف الهجمة على جدّه أمير المؤمنين عليهالسلام حيث كان الخطباء ووعّاظ السلاطين يسبّونه على صهوات المنابر أعواماً مديدة ، فأراد وليد البيت الهاشمي إيقاف السبّ بهذه الفكرة ، وإلاّ فمن البعيد جدّاً أن لا يطّلع الحسن بن الحنفيّة على انحراف النّاكثين والقاسطين والمارقين الّذين ابتزّوا أمر الخلافة ، وتطلّعوا إلى أمر ، هم أقصر منه فحاول لنيل غايته بالقول بأنّا نتكلّم في الشيخين ولا نتكلّم في غيرهما ممّن جاءوا بعدهما بشيء من المدح والقدح.
والرجل وإن كان حسن النيّة لكنّه كان سيّىء العمل لما ترتّبت على هذا العمل من التوالي الفاسدة ، ولعلّ ندامته في آخر العمر لأجل ما رأى من المفاسد الّتي ترتّبت
__________________
١ ـ تهذيب التهذيب : ج ٢، ص ٣٢٠ ـ ٣٢١.