بالباء كما في قوله تعالى : ( آمنّا بما أنْزَلْت ) « آل عمران / ٥٣ ) واُخرى باللام كقوله سبحانه : ( وما أنتَ بِمُؤْمِن لَنا ) ( يوسف / ١٧ ) وقوله تعالى : ( فآمَنَ لَهُ لُوطٌ ) ( العنكبوت / ٢٦ ).
فإذا كان الإيمان بمعنى التّصديق لغة ، فهل يكفي التصديق لساناً فقط ، أو جناناً فقط ، أو لا يكفي هذا ولا ذاك ، بل يشترط الجمع ، والظّاهر من الكتاب العزيز هو الأخير. فالإيمان بمقتضى الآيات عبارة عن التّصديق بالقلب ، الظّاهر باللسان ، أو ما يقوم مقامه ، ولا يكفي واحد منهما وحده. أمّا عدم كفاية التصديق القلبي فلقوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُم ظُلْماً وعُلُوّاً ) ( النمل / ١٤ ) وقوله سبحانه : ( فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) ( البقرة / ٨٩ ) فأثبت لليهود المعرفة وفي الوقت نفسه الكفر. وهذا يعرب عن أنّ الاستيقان النفساني لا بدّ له من مظهر كالإقرار باللسان ، أو الكتابة ، أو الإشارة كما في الأخرس.
ويمكن أن يقال إنّه يكفي التّصديق القلبي ، ولكنّ الإنكار باللسان مانع ، فلو علم أنّه مذعن قلباً ، ولم ينكره لساناً ، لكفى في الحكم بالايمان ، كما كفى في تحقّقه واقعاً.
وأمّا عدم كفاية التّصديق اللّساني فلقوله تعالى : ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ولمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلوبِكُمْ ) ( الحجرات / ١٤ ) والأعراب صدّقوا بألسنتهم ، وأنكروه بقلوبهم أو شكّوا فيه. وهؤلاء جروا في توصيف أنفسهم بالايمان على مقتضى اللّغة ، وادّعوا أنّهم مصدّقون قلباً وجناناً ، فردّ الله عليهم بأنّهم مصدّقون لساناً ، لا جناناً ، وأسماهم مسلمين ، ونفى كونهم مؤمنين.
وعلى ضوء هذه الآيات يتبيّن فساد القولين الأولين وتظهر قوةّ القول الثالث وهو كون الايمان لغة : هو التّصديق القلبي ، لكنّ الكتاب العزيز دلّ على عدم كفاية التصديق القلبي وأنّه يشترط أن يكون معه إقرار أو ما يقوم مقامه من الكتابة والإشارة يدلّ على التسليم الباطني ، وقد عرفت ما احتملناه أخيراً.
وأمّا الأثر المترتّب على الإيمان بهذا المعنى في الدنيا فهو حرمة دمه وعرضه وماله