إلاّ أن يرتكب قتلاً أو يأتي بفاحشة. وأمّا الأثر المترتّب عليه في الآخرة فهو صحّة أعماله واستحقاق الثواب عليها ـ لو قام بها ـ وعدم الخلود في النار ، واستحقاق العفو والشفاعة.
وأمّا السّعادة الاُخرويّة فهي رهن العمل كما يأتي بيانه. فمن صدّق لساناً وجناناً ، ولكن تجرّد عن العمل والامتثال ، فهو مؤمن فاسق ، وليس بكافر ( خلافاً للخوارج ) ولا هو في منزلة بين المنزلتين أي بين الايمان والكفر ( خلافاً للمعتزلة ) ولا يكفي في النّجاة ، بل ـ إن لم يتب ـ يدخل النار ويعذّب فيها.
وهذه هي النقطة الّتي يفترق فيها أهل الحقّ عن المرجئة ، فإنّهم يقولون إنّ التصديق لساناً أو جناناً أو معاً ، يكفي في النجاة من النار ودخول الجنّة ، ويثيرون في العصاة روح الطغيان على المُثل والأخلاق ، اعتماداً على أنّهم مؤمنين وإن فعلوا الكبائر وارتكبوا الموبقات. هذا هو الحقّ القراح ، وإليك تحليل أدلّة سائر الأقوال على ضوء الأقوال الّتي سردناها في صدر البحث.
هل الايمان هو التصديق القلبي؟
استدلّ القائل بأنّ الإيمان هو التّصديق القلبي مضافاً إلى ما مرّ من الآيات في صدر البحث (١) بأنّ القرآن نزل بلسان عربيّ مبين ، وخاطبنا الله بلغة العرب ، وهو في اللغة التصديق ، والعمل بالجوارح لايسمّى ايماناً.
يلاحظ عليه : أنّه يكفي في إثبات خروج العمل عن حقيقة الايمان ، وأمّا كون التصديق بالقلب كافياً في صدق الايمان فلا يثبته ، كيف وقد دلّت الآية على أنّ الجحد لساناً أو بغيره ، والاستيقان قلباً يوجب دخول الجاحد في عداد الكفّار. قال سبحانه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا ظُلْماً وَعُلُوّاً ) ( النمل / ١٤ ).
__________________
١ ـ ( وما أنت بمؤمن لنا ) ( يوسف / ١٧ ) ( فآمن له لوط ) ( العنكبوت / ٢٦ ).