غاية ما يمكن أن يقال ما عرفت من أنّ التصديق القلبي كاف في تحقّق الايمان ، والجحد لساناً مانع ، فلو تحقّق التصديق القلبي ولم يقترن بالجحد عناداً لكفى في كون الرجل مؤمناً ثبوتاً وواقعاً ، وأمّا الحكم بكونه مؤمناً إثباتاً فيحتاج إلى إظهاره باللسان ، أو بالعمل ، أو العلم بكونه معتقداً بطريق من الطّرق.
ثمّ إنّ ابن حزم الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) أورد على هذا القول بوجهين :
الأوّل : أنّ الإيمان في اللغة ليس هو التصديق ، لأنّه لا يسمّي التصديق بالقلب دون التصديق باللسان ايماناً في لغة العرب ، وما قال قطّ عربيّ إنّ من صدّق شيئاً بقلبه فأعلن التكذيب بلسانه ، أنّه يسمّى مصدّقاً به ولا مؤمناً به. وكذلك ما سمّى قطّ التصديق باللسان دون التصديق بالقلب إيماناً في لغة العرب أصلاً.
الثاني : لو كان ما قالوه صحيحاً لوجب أن يطلق إسم الايمان لكلّ من صدّق بشيء ما ، ولكان من صدّق بإلهيّة الحلاّج والمسيح والأوثان مؤمنين ، لأنّهم مصدّقون بما صدّقوابه (١).
يلاحظ عليه : أنّ الوجه الأوّل صحيح لو رجع إلى ما ذكرنا من كون الإنكار باللسان مانعاً وإلاّ فلو صدّق قلباً ولم ينكره بلسانه فهو مؤمن لغةً وقرآناً. غير أنّ الحكم في مقام الإثبات يحتاج إلى الدليل من الإقرار باللسان ، أو الكتابة باليد ، أو الإشارة بالجوارح.
وأمّا الوجه الثّاني ، فهو من الوهن بمكان لا يحتاج إلى البيان وكم لهذا الرجل من كلمات واهية. أضف إليه ما في كتابه من بذاءة في الكلام وتحرّش بالسباب وتحكّك بالوقيعة.
هل الايمان هو الإقرار باللسان؟
إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه ومن بعدهم ، اتّفقوا على أنّ من أعلن بلسانه بشهادة
__________________
١ ـ الفصل : ج ٣، ص ١٩٠