النّصوص الواردة في الكتاب والسنّة ، مخالفة لما يوحي إليهم عقلهم وفكرتهم ، فيبادرون إلى تأويلها تأويلاً واهياً يسلب عن الكلام بلاغته ، فينحطّ من ذروته إلى الحضيض ، وهؤلاء هم المعروفون بالمعتزلة ، وفي ألسن خصومهم بالقدريّة ).
وقد كان الجدال بين الطّائفتين قائماً على قدم وساق بغلبة الاُولى على الثّانية تارة ، وانتصار الثانية على الاُولى اُخرى ، وقد كان لأصحاب السّياسة والبلاط دور واضح في إشعال نار الإختلاف بإعلاء إحداهما ، وحطّ الاُخرى ، حسب مصالحهم الوقتية ، والغايات المنشودة لهم.
الداعيان إلى منهج أهل الحديث متعاصران
كان النزاع يعلو تارة ، وينخفض اُخرى ، إلى أن دخل القرن الرابع الهجري ، فأعلن الشيخ أبو الحسن الأشعري ، في أوائل ذلك القرن ، رجوعه عن الاعتزال الذي عاش عليه أربعين سنة ، وجنح إلى أهل الحديث ، وفي مقدّمتهم منهج إمام الحنابلة « أحمد بن حنبل » ، لكن لا بمعنى اقتفاء منهجه حرفيّاً بلا تصرّف ولا تعديل فيه ، بل قبوله لكن بتعديل فيه على وجه يجعله مقبولاً لكلّ من يريد الجمع بين النّقل والعقل ، والحديث والبرهان ، وقد أسّس في ضوء هذا منهجاً معتدلاً بين المنهجين وتصرّف في المذهب الاُم ، تصرّفاً جوهرياً وقد أسعفه حسن الحظّ ونصره رجال في الأجيال المتأخرة ، حيث نضّجوا منهجه ، حتى صار مذهباً عامّاً لأهل السنّة في الاُصول ، كما صارت المذاهب الأربعة مذاهب رسمية في الفروع.
وفي الوقت الّذي ظهر مذهب الأشعري بطابع الفرعية لمذهب أهل الحديث ، ظهر مذهب آخر بهذا اللون والشكل لغاية نصرة السنّة وأهلها ، وإقصاء المعتزلة عن السّاحة الإسلاميّة.
كلّ ذلك بالتصرف في المذهب وتعديله ، وذلك المذهب الآخر هو مذهب