تركيبي له ماهيّة ووجود ، وهكذا يتنزّل اليقين من القوّة إلى الضّعف ، إلى أن يصل إلى أضعف مراتبه الّذي لو تجاوز عنه لزال وصف اليقين ، ووصل إلى حدّ الظن ، وله أيضاً مثل اليقين درجات ومراتب ، ويقين الإنسان بالقيامة ومشاهدها في هذه النشأة ليس كيقينه بعد الحشر والنشر ، ومشاهدتها بأُمّ العين. قال سبحانه : ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَدِيد ) ( ق / ٢٢ ) فمن ادّعى بأنّ أمر الايمان بمعنى التّصديق والإذعان ، دائر بين الوجود والعدم ، فقد غفل عن حقيقته ومراتبه. فهل يصحّ لنا أن ندّعي أنّ ايمان الأنبياء بعالم الغيب ، كإيمان الانسان العادي ، مع أنّ مصونيّتهم من العصيان والعدوان رهن علمهم بآثار المعاصي وعواقبه ، الّذي يصدّهم عن اقتراف المعاصي وارتكاب الموبقات. فلو كان إذعانهم كإذعان سائر الناس ، لما تميّزوا بالعصمة عن المعصية. وما ذكره من أنّ الزيادة تستعمل في كمّية العدد منقوض بآيات كثيرة استعملت الزيادة فيها في غير زيادة الكمّية. قال سبحانه : ( ويَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ ويَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) ( الاسراء / ١٠٩ ). وقال : ( ولَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرآنِ لِيَذَّكَّرُوا ومَا يَزِيدُهُمْ إلاّ نُفُوراً ) ( الاسراء / ٤١ ). والمراد شدّة خشوعهم ونفورهم ، لا كثرة عددهما ، إلى غير ذلك من الآيات الّتي استعمل فيها ذلك اللّفظ في القوّة والشدّة لا الكثرة العدديّة.
٢ ـ قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) ( البقرة / ١٤٣ ) وإنّما عنى بذلك صلاتهم إلى بيت المقدس قبل أن تنسخ بالصّلاة إلى الكعبة.
يلاحظ عليه : أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ولا نشكّ في أنّ العمل أثر للاذعان وردّ فعل له ، ومن الممكن أن يطلق السبب ويراد به المسبّب. إنّما الكلام في أنّ الإيمان لغةً وكتاباً موضوع لشيء جزؤه العمل وهذا ممّا لا يثبته الإستعمال. أضف إليه أنّه لو أخذنا بظاهرها الحرفي ، لزم أن يكون العمل نفس الايمان لا جزءاً منه ، ولم يقل به أحد.
٣ ـ قوله سبحانه : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( النساء / ٦٥ ). أقسم سبحانه