بنفسه أنّهم لا يؤمنون إلاّ بتحكيم النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والتسليم بالقلب وعدم وجدان الحرج في قضائه. والتحكيم غير التصديق والتسليم ، بل هو عمل خارجي.
يلاحظ عليه : أنّ المنافقين ـ كما ورد في شأن نزول الآية ـ كانوا يتركون النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرجعون في دعاويهم إلى الأحبار و ـ مع ذلك ـ كانوا يدّعون الايمان بمعنى الإذعان والتسليم للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنزلت الآية بأنّه لايقبل منهم ذلك الإدّعاء حتّى يرى أثره في حياتهم وهو تحكيم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المرافعات ، والتسليم العملي أمام قضائه ، وعدم إحساسهم بالحرج ممّا قضى. وهذا ظاهر متبادر من الآية وشأن نزولها. فمعنى قوله سبحانه : ( فلا وربّك لا يؤمنون ) ، أنّه لا يقبل ادّعاء الايمان منهم إلاّ عن ذلك الطّريق. وبعبارة ثانية; إنّ الآية وردت في سياق الآيات الآمرة بإطاعة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ( النساء / ٦٤ ) والمنافقون كانوا يدّعون الايمان ، وفي الوقت نفسه كانوا يتحاكمون إلى الطّاغوت. فنزلت الآية ، وأعلنت أنّ مجرّد التصديق لساناً ليس إيماناً. بل الايمان تسليم تامّ باطني وظاهري. فلا يستكشف ذلك التسليم التام ، إلاّ بالتسليم للرّسول ظاهراً ، وعدم التحرّج من حكم الرّسول باطناً ، وآية ذلك ترك الرُّجوع إلى الطّاغوت ورفع النزاع إلى النّبي ، وقبول حكمه بلا حرج. فأين هو من كون نفس التحكيم جزءاً من الإيمان؟
٤ ـ قوله سبحانه : ( وَللّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ سَبِيلاً ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ) ( آل عمران / ٩٧ ) سمّى سبحانه تارك الحجّ كافراً.
يلاحظ عليه : أنّ المراد إمّا كفران النّعمة وأنّ ترك المأمور به كفران لنعمة الأمر ، أو كفر الملة لأجل جحد وجوبه.
٥ ـ قوله سبحانه : ( وَمَا اُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلوةَ ويُؤْتُوا الزَّكَوةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة ) ( البيّنة / ٥ ). والمشار اليه بلفظة « ذلك » جميع ما جاء بعد « إلاّ » من إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة ، فدلّت هذه الآية على دخول العبادات في ماهية الدين.