أقول : لعلّ نظر المحقّق النائيني رحمهالله في هذا الإشكال ( الإشكال الثاني ) إلى وجوب حفظ ماء الوضوء مثلاً قبل الوقت ، أو وجوب أخذ جواز السفر والخروج مع الرفقة قبل مجيء أيّام الحجّ فيكون وجوب المقدّمة فيهما فعليّاً ومنجّزاً مع عدم تنجّز وجوب ذيها.
لكن يرد عليه : بالنسبة إلى إشكاله الأوّل بأنّه لو قبلنا وجوب الجزء العاشر مثلاً على كلّ تقدير وأنّه دخيل في قوام الكلّ فإذا سقط عن الفعلية والتنجّز سقط بالتبع وجوب سائر الأجزاء عن الفعليّة ، سواء قلنا بمقدّميتها أو لم نقل.
وإذاً ينحصر الإشكال في الثاني ، ويردّه أنّه يستحيل وجوب المقدّمة فعلاً مع عدم وجوب ذيها فعلاً لأنّ وجوب المقدّمة بناءً على المقدّميّة مترشّح من وجوب ذيها وفرع عليه ، ولا يمكن زيادة الفرع على الأصل ، وأمّا المثالان المذكوران فوجوب المقدّمة فيهما من أجل العلم بوجوب ذي المقدّمة في موطنهما ، وحكم العقل بوجوب حفظ غرض المولى الذي يتوقّف على الإتيان بالمقدّمة كما ستأتي الإشارة إليه. ولا يخفى أنّ المقام ليس من هذا القبيل.
ثمّ إنّه اجيب عن مقالة المحقّق الخراساني رحمهالله بوجوه اخر ، والمختار في الجواب :
أوّلاً : النقض بعكس كلامه ، لأنّه يلزم من وجب الاحتياط أيضاً عدم وجوب الاحتياط فإنّه فرع تنجّز الواقع على كلّ حال ، ولازمه العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ ، ونتيجته انحلال العلم الإجمالي وجريان البراءة في الأكثر.
وثانياً : أنّ لزوم الخلف ولزوم عدم الانحلال من وجوده يتصوّر فيما إذا وجد الانحلال وعدم الانحلال في آنٍ واحد ، لا ما إذا كان وعاؤهما زمانين مختلفين ، وكان أحدهما في طول الآخر ، كما أنّه كذلك في الشبهة البدوية ، فيجب الاحتياط قبل الفحص ولا يجب بعده ، وبعبارة اخرى : يشترط في التناقض ولزوم الخلف ثمانية شرائط : منها الوحدة في الزمان ، وهى مفقودة في المقام.
وثالثاً : أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان بناءً على المختار قاعدة عقلائيّة ، والعقلاء ليس بناؤهم في دائرة الموالي والعبيد على إجراء الاحتياط في الاجزاء والشرائط المشكوكة في المركّبات فإذا أمر المولى عبده أو الرئيس مرؤوسه بأمر مركّب ، ولم يذكر فيه إلاّتسعة أجزاء مثلاً ، ثمّ شكّ العبد أو المرؤوس في لزوم جزء عاشر فلا يصحّ مؤاخذته بدون البيان ، والعقاب بلا برهان.