إن قلت : ليس الأمر خالياً من إحدى الحالتين فإمّا ينحلّ العلم الإجمالي أو لا ينحلّ. فإن انحلّ فتكون الشبهة بالنسبة إلى الأكثر بدويّة ، والحكم فيها هو البراءة كسائر مصاديق الشبهات البدويّة فلا خصوصيّة لما نحن فيه ، وإن لم ينحلّ فكيف يكون بناء العقلاء على البراءة مع وجود العلم الإجمالي وتنجّزه عقلاً؟
قلنا : إنّ العلم الإجمالي وإن لم ينحلّ بل كان منجّزاً عند العقل ، لكن مع ذلك جرى بناء العقلاء على البراءة ، وأمضاه الشارع المقدّس كما مرّ تفصيله عند الكلام في البراءة العقليّة مستوفاً.
هذا كلّه هو الدليل الأوّل للمحقّق الخراساني رحمهالله على وجوب الاحتياط.
الدليل الثاني : ما يكون مبتنيّاً على مقالة العدليّة من أنّ الواجبات الشرعيّة الطاف في الواجبات العقليّة ، وإنّ الأوامر والنواهي مبنيّة على مصالح ومفاسد واقعيّة لمتعلّقاتها ، وهو إنّا نقطع بوجود ملاك ومصلحة ملزمة قائمة بالأقل أو الأكثر ، وإذا لم يأت بالأكثر يشكّ في حصول الملاك وتلك المصلحة ، فيحكم العقل بلزوم إتيان الأكثر حتّى يحصل العلم بحصول الملاك.
إن قلت : هذا لا يلائم مقالة الأشاعرة ومبنى من يقول بوجود المصلحة في خصوص الأمر نفسه لا في متعلّقه.
قلنا : إنّا لسنا مسؤولين عن عقائد الأشاعرة بل علينا أن نبحث وفقاً لمبانينا.
إن قلت : لا يمكن في المقام تحصيل الغرض ، لاحتمال اعتبار قصد الوجه ( وهو إتيان الأجزاء بقصد الوجوب ) فيه ، وهو لا يمكن بالنسبة إلى الأكثر.
قلنا : قد مرّ كراراً عدم وجوب قصد الوجه ، ولو سلّمنا بوجوبه فإنّه واجب بالإضافة إلى مجموع العمل لا كلّ جزء جزء.
أقول : هذا الدليل أيضاً غير تامّ لأنّه لا دليل على لزوم تحصيل الغرض إلاّفي ثلاث حالات :
الاولى : فيما إذا لم يكن المولى قادراً على البيان كما إذا كان محبوساً.
الثانية : فيما إذا وقع الغرض بنفسه تحت أمر المولى كما إذا كان المأمور به في الوضوء مثلاً عنوان الطهارة المعنوية التي هى من الامور البسيطة ، فيجب الاحتياط في الأجزاء حتّى يعلم بحصولها.