الماهيات والعناوين دون المصاديق الخارجيّة ، وعليه فالمدار في دوران الأمر بين الأقل والأكثر إنّما هو ملاحظة لسان الدليل الدالّ على الحكم حسب الدلالة اللفظيّة العرفيّة ، لا المصاديق الخارجيّة ، ومن المعلوم أنّ البعث إلى الطبيعه ( كطبيعة الرقبة ) غير البعث إلى الطبيعة المقيّدة ( كطبيعة الرقبة المؤمنة ) ، والنسبة بين المتعلّقين هو القلّة والكثرة وإن كانت المصاديق على غير هذا النحو ، وحينئذٍ نقول : إنّ البعث إلى طبيعة الرقبة معلوم ، وتعلّقه إلى المؤمنة مشكوك فيه ، فتجري البراءة عن المشكوك ، وهكذا المركّبات التحليليّة كالجنس والفصل لأنّ الموضوع ينحلّ عند العقل إلى معلوم ومشكوك فيه ، فالصلاة المشروطة بالطهارة عين ذات الصّلاة في الخارج ، كما أنّ الرقبة المؤمنة عين مطلقها فيه ، والإنسان عين الحيوان وهكذا ، وإنّما الافتراق في التحليل العقلي ، وهو في الجميع سواء ، فكما تنحلّ الصّلاة المشروطة بالصلاة والاشتراط ، كذا ينحلّ الإنسان إلى الحيوان والناطق ، ففي جريان البراءة وقيام الحجّة على المتيقّن دون المشكوك سواء في الجميع » (١).
أقول : الأقوى هو القول الثاني وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله ، نعم بالنسبة إلى القيود غير المقوّمة ، المختار هو البراءة العقلائيّة لا العقليّة بناءً على ما حقّقناه في مبحث البراءة.
وعلى أي حال لا فرق بين الأجزاء والشرائط والقيود إلاّفي القيود المقوّمة لأنّها في نظر العرف من قبيل المتباينين وإن لم يكن كذلك بالدقّة العقليّة ، وإن شئت فاختبر نفسك فيما إذا أمر المولى بصناعة مصنوع خشبي يتردّد بين كونه سريراً أو نافذة ، ففي هذه الحالة وإن كانت وصف السريرية وغيرها من الأعراض للخشب لكنّها تعدّ عند العرف من المقوّمات ، والسرير والنافذة عندهم متباينان كالسيّارة والطائرة ، وإن كانتا مصنوعتين من الخشب والحديد ، ولذلك يوجب التخلّف فيهما بطلان المعاملة لا مجرّد خيار تخلّف الوصف.
وبالجملة إنّ المعيار في التباين والوحدة ليس الجنس والفصل المنطقيين بل المعيار الصدق العرفي وإن كان الاختلاف في الاعراض.
هذا ـ بخلاف ما إذا كانت القيود غير مقوّمة عند العرف كقيد الإيمان في الرقبة المؤمنة وقيد الكتابة في العبد الكاتب ، فيكون الفاقد والواجد من قبيل الأقل والأكثر فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر.
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، طبع جماعة المدرّسين.