وعليه فإذا تخلّف قيد من قيود الموضوع وحالة من حالاته فإن كان دخيلاً في الموضوع بنظر العقل فالحكم العقلي غير باقٍ قطعاً ، وهكذا الحكم الشرعي المستند إليه ، وإن لم يكن دخيلاً فيه فالحكم العقلي باقٍ كذلك ، فإذا حكم العقل مثلاً بحرمة السمّ المضرّ ، وإنتفى الإضرار من السمّ فإن كان الاضرار دخيلاً بنظره في الموضوع فلا حرمة يقيناً ، وإن لم يكن دخيلاً فالحرمة باقية يقيناً ، وعليه فلا استصحاب على شيء من التقديرين بلا شبهة ، ( انتهى ملخّص كلماته في هذا المقام ) (١).
ولكن المحقّق الخراساني رحمهالله أورد عليه بأنّ تطرّق الإهمال إلى موضوع حكم العقل ممّا يعقل في الجملة ، بمعنى أنّه يمكن أن يستقلّ العقل بحكم خاصّ على موضوع مخصوص مع وجود حالة مخصوصة فيه ، لكن من غير أن يدرك دخلها في المناط على نحو إذا انتفت الحالة أدرك فقد المناط فيه بل يدرك فقط تحقّق المناط مع وجود الحالة فيستقلّ بالحكم ، ولا يدرك تحقّق المناط مع انتفاء الحالة فلا يستقلّ بالحكم ولا بانتفائه ، وعليه فلا مانع حينئذٍ عن استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل بعد انتفاء الحالة المخصوصة ، وذلك لليقين السابق كما هو المفروض ، والشكّ اللاحق نظراً إلى احتمال عدم دخل الحالة في المناط أصلاً ، ولبقاء الموضوع عرفاً إذا فرض عدم كون الحالة من مقوّمات الموضوع ، بل من حالاته المتبادلة.
وبعبارة اخرى : أنّه لا مانع من عدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بقاءً مع وجود الملازمة بينهما حدوثاً ، وذلك لأنّه قد يكون الموضوع في الواقع وفي نظر الشارع أوسع من الموضوع في نظر العقل ، أو يكون هناك ملاكان مختلفان للحكم زال أحدهما المعلوم عند العقل وبقي الآخر المجهول عنده ، والمعلوم عند الشارع العالم بالخفيّات ، فيحتمل بقاء الحكم بعد زوال حكم العقل ، فيستصحب مع بقاء الموضوع في نظر العرف ( انتهى ).
أقول : الإنصاف أنّ الحقّ في المسألة مع الشيخ الأعظم رحمهالله لأنّه وإن كان ركنا الاستصحاب ( وهو اليقين السابق والشكّ اللاحق ) موجودين في ما نحن فيه ، لكن الكلام في وحدة الموضوع المعتبرة في الاستصحاب ، وهى منتفية في المقام ، وذلك لأنّ الأحكام المتعلّقة
__________________
(١) راجع فرائد الاصول : مبحث الاستصحاب ، التنبيه الثالث ، وذيل البحث عن تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدالّ على المستصحب.