هذا ـ ولكن المحقّق النائيني رحمهالله في بعض تقريراته (١) قد فصّل بين الصحّة الواقعية والصحّة الظاهريّة ، وقال بأنّ الصحّة الظاهرية قابلة للجعل بخلاف الصحّة الواقعية ، نعم الموجود في تقريرات (٢) الدورة الاولى من درسه أنّ الصحّة الظاهرية أيضاً ليست قابلة للجعل مستقلاً ، بل إنّها تنتزع من حكم الشارع بالإجزاء.
ولكن الإنصاف أنّ الصحّة الظاهرية وكذا الإجزاء غير قابلة للجعل لا استقلالاً ولا تبعاً فإنّ المولى لو صرّح بأنّ المأمور به هو العشرة حتّى في حال العذر أو الشكّ فكيف يصحّ له الحكم بالصحّة والإجزاء ( أي المطابقة للمأمور به وأدائه )؟ وهل هذا إلاّتناقض؟ ولو رفع يده عن بعض الاجزاء والشرائط في هذا الحال فالتطابق حاصل بلا حاجة إلى أمر آخر.
٣ ـ ومنها الطهارة والنجاسة ، وقد مرّ من شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله أنّهما أمران تكوينيان ، وقال بعض بأنّهما من الامور المجعولة مستقلاً ، وبعض آخر بأنّهما منتزعان من الحكم بجواز الصّلاة في الشيء الطاهر وعدم جوازها في النجس.
والحقّ أنّ لهما أيضاً أقساماً مختلفة : فقسم منهما أمر تكويني كان موجوداً في العرف قبل الشرع كطهارة المطر وقذارة البول والغائط ، وأمضاهما الشارع المقدّس ، وقسم ثانٍ منهما أمر تكويني أيضاً ، ولكن لم يكن معروفاً واضحاً عند العرف ، بل كشف عند الشارع كنجاسة عرق الجنب من الحرام على القول بها أو نجاسة بول الجلالة وغائطها ، فهذان القسمان أمران تكوينيان أمضاهما الشارع وليسا مجعولين مطلقاً ، وقسم ثالث يكون ظاهرياً منشأه الطهارة أو النجاسة المعنوية كنجاسة الكافر التي منشأها كفر الكافر ونجاسته المعنوية ، ولعلّ من هذا القسم نجاسة الخمر بل وعلى احتمالٍ نجاسة عرق الجنب من الحرام على القول بها. فهذا القسم أيضاً أمر تكويني معنوي.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ نجاسة الكافر تنتزع من حكم الشارع بالاجتناب عنه وعن سؤره ، فتكون مجعولة بالتبع ومن الامور الانتزاعية ، ولكنّه خلاف ظواهر الأدلّة.
٤ ـ ومنها الرخصة والعزيمة ، وقد يتوهّم إنّها من الأحكام الوضعيّة ، لكن الصحيح عدم كونهما لا من الأحكام الوضعيّة نفسها ولا منتزعة عنها بل إنّهما مجرّد إسمين وإصطلاحين لأحد
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٣٨٦ ، طبع مطبوعات ديني.
(٢) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٤٠٠ ، طبع جماعة المدرّسين.