أوّلها : القول بأنّها ليست مجعولة مطلقاً لا تبعاً ولا مستقلاً.
ثانيها : أنّها مجعولة مستقلاً مطلقاً.
ثالثها : التفصيل بين العبادات والمعاملات وأنّهما مجعولان مستقلاً في العبادات دون المعاملات.
رابعها : الفرق بين الصحّة الواقعية فليست قابلة للجعل مستقلاً ، والصحّة الظاهرية فهى مجعولة مستقلاً.
والمختار أنّ للصحّة والفساد معنيين ، وإنّهما على كلا معنييهما أمران تكوينيان لا تنالهما يد الجعل مطلقاً :
أحدهما : ما مرّ في مبحث الصحيح والأعمّ من أنّ الصحيح من الأشياء ما يكون مبدأً للآثار المرغوبة منها ، والفاسد ما ليس فيه تلك الآثار ، ولا إشكال في أنّ كون شيء ذا أثر وعدمه أمر تكويني.
ثانيهما : مطابقة الأمر ( في العبادات ) أو مطابقة الحكم ( في المعاملات ) وعدمها ، ولا ريب أيضاً أنّ التطابق أو عدم التطابق أمر واقعي تكويني ، فلو كان العمل جامعاً للاجزاء والشرائط فهو مطابق للمأمور به ، ولو لم يكن جامعاً لها فهو مخالف للمأمور به ، ولا يمكن أن يجعل ويعتبر ما ليس بمطابق خارجاً مطابقاً في الخارج ، فإذا كان المأمور به ذا عشرة أجزاء ، والمأتي به ذا تسعة ، فلا شكّ أنّه لا يكون مطابقاً ، ولا معنى لجعل التسعة عشرة.
فهما ليسا من الامور الاعتباريّة المجعولة مستقلاً ، كما أنّهما ليسا منتزعين من التطابق وعدم التطابق ، لأنّ الصحّة عين التطابق ، كما أنّ الفساد عين التخالف.
إن قلت : هذا ليس صادقاً في مثل المريض الذي لا يكون قادراً على إتيان جميع الأجزاء وليس عمله مطابقاً للواقع ، مع أنّ الشارع حكم بصحّة عمله ، وكذا الكلام في أمثاله من الأعذار.
قلنا : أنّ حكم الشارع بالصحّة في هذا الحال يرجع في الواقع إلى أنّه رفع يده عن وجوب بعض الاجزاء ، فتكون الصّلاة مثلاً بالنسبة إلى المريض تسعة اجزاء لا عشرة ( أو جعل لبعض الاجزاء أبدالاً كالإيماء بدل الركوع والسجود ) فالصحّة حينئذٍ أيضاً بمعنى التطابق الواقعي ، أي تطابق التسعة مع التسعة ، لا تطابق التسعة مع العشرة بحكم الشارع.