الحضور مثلاً بالنسبة إلى عصر الغيبة ) ولا نعلم هل بقي مطلق الطلب ضمن الاستحباب ، أو لا؟ فهل يمكن استصحاب مطلق الطلب الذي كان موجوداً ضمن فرده الواجب ، أو لا؟
الصحيح هو عدم الجريان لأنّ الميزان في هذه الموارد إنّما هو نظر العرف ، والمفروض أنّ ما نحن فيه يكون عنده من قبيل القسم الثالث من الكلّي.
نعم يمكن المناقشة في المثال المزبور الذي ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله للمقام لأنّه يمكن أن يقال : بأنّ الاستحباب والوجوب مرتبتان من شيء واحد ( وهو الطلب ) : المرتبة الضعيفة والمرتبة الشديدة ، فيرى العرف أيضاً أحدهما مع الآخر كالمستمرّ الواحد.
الأمر الثالث : ربّما يرد على تفصيل الشيخ الأعظم رحمهالله وجريان الاستصحاب في الصورة الاولى من القسم الثالث من استصحاب الكلّي ( وهو ما إذا احتمل وجود الفرد الآخر مقارناً لوجود الفرد الأوّل ) « أنّه إذا قام أحد من النوم واحتمل جنابته في حال النوم ، لم يجز له الدخول في الصّلاة مع الوضوء وذلك لجريان استصحاب الحدث حينئذٍ بعد الوضوء ، لاحتمال إقتران الحدث الأصغر مع الجنابة ، وهى لا ترتفع بالوضوء ، والظاهر أنّه لا يلتزم بهذا الحكم الشيخ الأعظم رحمهالله وغيره فإنّ كفاية الوضوء حينئذٍ من الواضحات وهذا يكشف عن عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقاً » (١).
أقول : بل يرد عليه : أنّ لازم كلامه جريان استصحاب بقاء المعلوم بالإجمال في كثير من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، ونتيجته وجوب الإتيان الأكثر بحكم الاستصحاب ، فإذا دار الأمر في الدَين مثلاً بين كونه مائة درهم فقط أو مع إضافة مائة منّ من الحنطة ، فإذا أدّى القدر المعلوم وهو الدراهم وبعد ذلك شكّ في بقاء كلّي الدَين المشترك بينهما وبين الحنطة يجوز له استصحاب كلّي الدَين ، وحينئذٍ لا يحصل له البراءة إلاّبأداء الحنطة أيضاً ، وكذا أشباهه من الأمثلة التي لا نظّن التزام أحد من المحقّقين بها.
وقد قام جماعة من الأعلام منهم المحقّق النائيني رحمهالله في مقام الدفاع عن الشيخ رحمهالله. بما حاصله : أنّ المستفاد من قوله تعالى : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) وقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) أنّ الوضوء والغسل فردان متضادّان لا يجتمعان في آنٍ
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١١٥ ، طبع مطبعة النجف.