أمّا القسم الرابع : ففي حجّية جريان الاستصحاب فيه وعدمها أقوال ثلاثة :
١ ـ أنّه يجري مطلقاً ولكنّه مبتلى بالمعارض غالباً ، وهذا ما ذهب إليه بعض أعاظم العصر.
٢ ـ عدم الجريان مطلقاً ، وهو المختار.
٣ ـ ما ذهب إليه المحقّق الهمداني رحمهالله في مصباح الفقيه من التفصيل الآتي ذكره.
أمّا القول الأوّل : فاستدلّ له بتمامية أركان الاستصحاب وتشييد نظامه في هذا القسم فإنّ أحد العنوانين وإن إرتفع يقيناً إلاّ أنّ لنا يقيناً بوجود الكلّي في ضمن عنوان آخر ، فنشكّ في ارتفاعه لاحتمال انطباقه على فرد آخر غير الفرد المرتفع يقيناً ( فإذا علمنا بأنّ زيداً كان في الدار ثمّ سمعنا قراءة القرآن من الدار واحتملنا أنّ القارىء هو زيد أو غيره ثمّ خرج زيد عن الدار فحينئذٍ نقول : العلم بوجود كلّي الإنسان كان حاصلاً والآن نشكّ في بقائه لاحتمال تعدّد الفردين : زيد وقارىء القرآن ) فبعد اليقين بوجود الكلّي المشار إليه والشكّ في ارتفاعه لا مانع من جريان الاستصحاب فيه.
نعم قد يبتلى هذا الاستصحاب بالمعارض ، كما إذا علم بالجنابة ليلة الخميس مثلاً وقد إغتسل منها ، ثمّ رأى منيّاً في ثوبه يوم الجمعة ، فيعلم بأنّه كان جنباً حين خروج هذا المني ولكن يحتمل كون المنيّ من الجنابة التي قد إغتسل منها كما يحتمل كونه من غيرها ، فإستصحاب كلّي الجنابة مع الغاء الخصوصيّة وإن كان جارياً في نفسه ، إلاّ أنّه معارض باستصحاب الطهارة الشخصيّة فإنّه على يقين بالطهارة حين ما إغتسل من الجنابة ولا يقين بارتفاعها لإحتمال كون ذلك الأثر من تلك الجنابة ، فيقع التعارض بينه وبين استصحاب الجنابة ، فيتساقطان ولابدّ من الرجوع إلى أصل آخر (١).
أقول : بعد سقوط الأصل من الجانبين يكون هذا الإنسان كخلق الساعة ، وقد وقع الكلام فيه في محلّه من أنّ من خلق من ساعته كآدم مثلاً هل يجوز له الصّلاة لأنّ الحدث مانع ، أو لا يجوز لأنّ الوضوء شرط؟ فكلّ ما اخترنا هناك يجري هنا ، لعدم جريان أصل من ناحية الطهارة والحدث ، وسيأتي قريباً الجواب عن هذا القول عند ذكر دليل القول الثاني.
__________________
(١) راجع مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١١٨ ، طبع مطبعة النجف.