السببيّة ، فهى لا تكون مجعولة بيد الشارع حتّى يمكن له الحكم باستصحابها.
٢ ـ ما أجاب به الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله أيضاً ، وتبعه فيه المحقّق الخراساني رحمهالله ، وهو أنّه لا مانع من استصحاب الحرمة على تقدير الغليان ، لأنّ الحكم التقديري أيضاً له حظّ من الوجود ، فيكون له نحو وجود متحقّق في نفسه في قبال العدم المحض.
وأجاب عنه المحقّق النائيني رحمهالله : بأنّ ثبوت الحرمة على تقدير الغليان للعنب ليس ثبوتاً شرعياً وحكماً على موضوعه ، بل هو من جهة حكم العقل بأنّه متى وجد جزء الموضوع المركّب فلا محالة تكون فعلية الحكم متوقّفة على ثبوت الجزء الآخر.
توضيح ذلك : قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط أنّ كلّ شرط يكون لا محالة مأخوذاً في موضوع الحكم كما أنّ كلّ موضوع يكون شرطاً في الحقيقة ، فقولنا « يحرم العنب إذا غلى » عبارة اخرى عن قولنا : « العنب المغلّى حرام » وبالعكس ، ولهذا الحكم ثبوتان حقيقيّان تشريعاً : أحدهما : ثبوته في مرحلة الجعل والإنشاء مع قطع النظر عن وجود عنب في الخارج أصلاً ، والرافع للحكم في هذه المرحلة هو النسخ ليس إلاّ ، ثانيهما : ثبوته الخارجي بفعلية تمام موضوعه ، أعني به وجود العنب وغليانه ، إذ مع إنتفاء أحد قيود الموضوع يستحيل فعلية الحكم ، وإلاّ لزم الخلف وعدم دخل ذلك القيد في موضوعه ، والمفروض في المقام عدم الشكّ في بقائه في مرحلة الإنشاء ، وعدم فعلية موضوعه في الخارج ، فأين الحكم الشرعي المتيقّن حتّى يستصحب وجوده؟ نعم حيث إنّ الحكم الشرعي مترتّب على الموضوع المركّب فالعقل يحكم عند وجود جزء منه بكون الحكم متوقّفاً على ثبوت الجزء الآخر ، وهذا الثبوت عقلي محض وغير قابل للاستصحاب أصلاً » (١).
أقول : يرد عليه : أنّ إرجاع شرائط الوجوب إلى قيود الموضوع مخالف للمتبادر من القضيّة الشرطيّة وظاهرها ، فإنّ ظاهرها ( كما هو واضح لمن راجع وجدانه ) كون الشرط قيداً للوجوب لا للواجب ولا للموضوع ، وإمكان إرجاع أحدهما إلى الآخر بتمحّل عقلي لا يفيد شيئاً في المقام بعد ظهور القضية في كون الشرط راجعاً إلى الوجوب ، فهذا الوجه أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه كما لا يمكن المساعدة على مقالة الشيخ رحمهالله من إرجاع القيود إلى الواجب ،
__________________
(١) أجود التقريرات : ص ٤١٢ ، طبع مطبوعات ديني.