ورابعاً : ظاهر قوله تعالى : ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ) إنّ كلّ ذلك كان أمراً صورياً وتوطئة لإبقاء يوسف أخاه عنده ، لا أمراً واقعياً حتّى يستفاد منه حكم فقهي.
وخامساً : أنّ قول المؤذّن : ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) ليس من قبيل ضمان ما لم يجب الذي ثبت عدم جوازه ، فالمختار كما ذكرنا في محلّه أنّ الدين الذي لم يتحقّق بعد ولكن تحقّقت مقتضياته جائز ضمانه ، وليس هو من باب ضمان ما لم يجب ، وذلك نظير ما هو رائج في زماننا عند العقلاء من مطالبة الضامن للأجير أو الخادم لأجل الخسارات التي يحتمل تحقّقه في المستقبل ، ونظير عقد التأمين لو أدخلناه في باب الضمان فإنّ الضمان في مثل هذه الموارد جائز وغير داخل تحت الإجماع القائم على عدم جواز ضمان ما لم يجب ، لحصول مقتضى الضمان فيها ، ولا إجماع على البطلان في مثله.
٤ ـ ما يستفاد من قصّة يحيى في قوله تعالى : ( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الِمحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ ) (١) من جواز ترك النكاح واستحبابه ، لأنّ الحصور في اللغة بمعنى تارك النكاح.
واجيب عنه أيضاً : أوّلاً : بأنّه من قبيل المدح على المنكشف لا الكاشف ، كما إذا مدحنا من ردّ بعض الهدايا لكونه كاشفاً عن علوّ طبعه وغنى نفسه ، مع أنّ الكاشف وهو ردّ الهدية مذموم ، فمدح يحيى لكونه حصوراً وتاركاً للنكاح لعلّه كان من باب إنّه كاشف عن شدّة ورعه وكفّ نفسه عن الشهوات ، كما احتمله بعض المفسّرين فتأمّل.
وثانياً : لا دليل على كون الحصور بمعنى تارك النكاح فإنّه في اللغة من مادّة الحصر بمعنى المنع عن المعصية وكفّ النفس عن الشهوات فيكون بمعنى المتّقي والوَرع.
وثالثاً : لعلّ هذا كان حكماً خاصّاً لشخص يحيى عليهالسلام وكذلك عيسى عليهالسلام ، وذلك لما كان لهما من شرائط خاصّة فإنّ عيسى عليهالسلام لا يزال كان مشتغلاً بالتبليغ عن مذهبه والتردّد من بلد إلى بلد وكذلك يحيى ، حيث إنّه كان مبلّغاً لشريعة عيسى عليهالسلام ، ولا إشكال في جواز ترك النكاح لمصلحة أهمّ.
ورابعاً : من أركان الاستصحاب الشكّ اللاحق ، ولا شكّ لنا في استحباب النكاح كما
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٣٩.