تسامحه كما في باب الكرّ والنصاب ، فإنّه يعلم أنّ ٩٩٩ مثقالاً من الذهب أو الماء ليس الف مثقال ، ولكن يسامح في اطلاق الألف عليه ، ففي هذا القسم ، الصحيح كما قال ، أي عدم حجّية التسامح العرفي ، وقسم منها ما لا يكون كذلك ، أي يكون العرف غافلاً عنه ولا يلتفت إليه ولو عند الدقّة ، كما في مثل الدم فهو يحكم بأنّ لونه ليس دماً ، مع أنّه يمكن أن يقال : بأنّ انتقال العرض من شيء إلى شيء آخر بدون انتقال معروضه محال عقلاً ، فبقاء اللون دليل على بقاء الأجزاء الصغار من الدم ، وكذا في ما إذا لاقت يده الميتة وأصاب بها رائحتها ، فهو يحكم بعد الاغتسال بعدم وجود أجزاء الميتة في اليد ، ففي مثل هذه الموارد لا إشكال في الحجّية ، وإلاّ كان على الشارع اخراج العرف عن الغفلة ، ولا إشكال في أنّ خفاء الواسطة قد يكون من هذا القسم.
ثانياً : أنّ موارد خفاء الواسطة داخلة في القسم الأوّل من كلامه ، أي ما إذا كان الشكّ في تعيين المفهوم أو سعته وضيقه ، فيكون المرجع فيها العرف ، وبعبارة اخرى : كان الوجه في عدم حجّية المثبتات انصراف دليل « لا تنقض » عنها ، وهو ليس جارياً في المقام ، أي لا يكون ذلك الاطلاق منصرفاً عن موارد خفاء الواسطة عند العرف.
وإن شئت قلت : يستفاد من تعميم الشارع حجّية الاستصحاب لموارد خفاء الواسطة في مورد حديث زرارة ورواية علي بن محمّد القاساني أنّ أثر الأثر أثر عنده في هذه الموارد.
الثاني : ما أورده المحقّق الأصفهاني رحمهالله على صاحب الكفاية في المورد الثاني والثالث ( مورد جلاء الواسطة والمتلازمين ) وحاصله : « أنّه لا حاجة إلى إثبات بقاء أحد المتضايفين باستصحاب الآخر ، بل يجري الاستصحاب في كلّ واحد منهما.
هذا في المتلازمين ، وهكذا في جلاء الواسطة ( الذي مثّل له بباب العلّة والمعلول كاستصحاب حركة اليد وإثبات آثار حركة المفتاح ) فيمكن إجراء استصحاب حركة المفتاح في عرض استصحاب حركة اليد ، للعلم بوجود كلّ واحد منهما » (١).
ويرد عليه أيضاً : أنّ كلامه في مورد جلاء الواسطة صادق في مثل ما ذكره من مثال حركة اليد والمفتاح وما أشبهه من موارد العلّة والمعلول ، لا في مثل ما ذكرناه من مثال
__________________
(١) راجع نهاية الدراية : ج ٥ ـ ٦ ، ص ١٩٠ ، طبع مؤسسة آل البيت.