القضايا الحقيقيّة ، فلا يقين سابق بهذا العدم حتّى يمكن استصحابه.
قلنا : أوّلاً : إنشاء الأحكام كذلك في الأزل لغو لا يصدر من الشارع الحكيم.
ثانياً : وجود الأحكام على نهج القضايا الإنشائية الحقيقيّة في علم الله من الأزل لا معنى محصّ له ، لأنّ الإنشاء أمر حادث ووعاؤه الذهن ، فلابدّ فيه من وجود ذهن نبوي أو ولوي ، والذي كان الله تبارك وتعالى عالماً به إنّما هو صدور الإنشاء من جانبه فيما بعد ، لا أنّه صدر.
ثالثاً : يمكن دعوى الإجماع على عدم وجود هذه الأحكام حتّى بصورها الإنشائيّة في الأزل ، بل قبل بعث النبي صلىاللهعليهوآله ، لأنّ الإجماع حاصل على نزول الأحكام تدريجياً ، والقول بنزول القرآن عليه صلىاللهعليهوآله مرّتين : مرّة دفعيّاً ومرّة تدريجيّاً أيضاً لا ينافي ما ذكرنا فإنّه على كلّ حال أمر حادث بعد البعثة.
بقي هنا شيء :
وهو أنّه قد لا يمكن جريان استصحاب العدم الأزلي ، لا لعدم تصوّره ، بل لإشكال آخر ، وذلك في الشبهات الموضوعيّة فيما إذا كانت من قبيل العدم النعتي ، أي فيما إذا كان الوصف قائماً بالغير بنحو كان الناقصة كقرشية المرأة ، فلا يمكن استصحاب عدم قرشيتها ، وعلى نحو كلّي لا يمكن جريان الاستصحاب في مفاد ليس الناقصة ( وإن كان المعروف بين جماعة من الأعلام جريانه ) وذلك لما قد قرّر في محلّه من اعتبار وحدة القضيّة المتيقّنة والقضية المشكوكة ، وهى ليست حاصلة في المقام ، لأنّ القضية المتيقّنة فيه عبارة عن القضيّة السلبة بانتفاء الموضوع ، والقضيّة المشكوكة سالبة بانتفاء المحمول ، أي عدم قرشية هذه المرأة ، ولا ريب في مغايرة إحدى القضيتين الاخرى في نظر العرف.
أضف إلى ذلك أنّ القضيّة السالبة بانتفاء الموضوع أمر غير معقول عند العرف ، كما لا يخفى على الخبير ، فلا يمكن عند العرف أن يقال : إنّ هذه المرأة لم تكن قرشية حين عدم وجودها فلتكن في الحال كذلك.
وهذا في الواقع يرجع إلى عدم وجود يقين سابق عرفاً ، فأركان الاستصحاب حينئذٍ غير تامّة من جهتين.