قلنا : المدار في النسبة بين الدليلين هو نسبتهما بحسب أنفسهما قبل تخصيص أحدهما بشيء ، فتخصيص القرعة بالشبهات الموضوعيّة بالإجماع والضرورة لا يوجب خصوصية في جانبها بعد عموم دليلها بحسب اللفظ.
الوجه الثاني : أنّ عموم دليل القرعة موهون بكثرة تخصيصه حتّى صار العمل به في مورد محتاجاً إلى الجبر بعمل الأصحاب بخلاف الاستصحاب فيكون عمومه باقياً على قوّته فيقدّم على عمومها.
الوجه الثالث : أنّ الموضوع في جريان القرعة كون الشيء مشكلاً بقول مطلق ( واقعاً وظاهراً ) لا في الجملة ، وعليه يكون دليل الاستصحاب وارداً على دليل القرعة ، رافعاً لموضوعه ( أي الإشكال ) ولو تعبّداً وظاهراً ، لا حقيقة وواقعاً.
أقول : الحقّ عدم تمامية الوجه الأوّل والثاني ( وقد أخذهما صاحب الكفاية عن الشيخ الأعظم رحمهالله ).
أمّا الوجه الأوّل فإنّ دليل القرعة ليس عاماً من أوّل الأمر ، لأنّ الإرتكاز العقلائي والمتشرّعي الموجود على اختصاصها بالشبهات الموضوعيّة يوجب انصرافها إلى الشبهات الموضوعيّة كما لا يخفى ، وحينئذٍ لا يلزم انقلاب النسبة ، بل النسبة بين دليلها ودليل الاستصحاب عموم مطلق من الأوّل.
وأمّا الوجه الثاني ، فيرد عليه : أيضاً أنّ القرعة لم تخصّص في مورد فضلاً عن كونها موهونة بكثرة التخصيصات ، لأنّ موضوعها كلّ أمر مجهول ، وهو لا يعني كلّ أمر مشكوك ، بل إنّما هو بمعنى سدّ جميع الأبواب والطرق ، كما هو كذلك في مثال ولد الشبهة أو الغنم الموطوءة وغيرهما ممّا ورد في أحاديث الباب ، ففي مورد المثال الأوّل لا بيّنة تعيّن بها خصوص الموطوءة ، ولا استصحاب لعدم سبق الحالة السابقة ، ولا تجري أصالة الاحتياط للزوم الضرر العظيم ، وفي مثال ولد الشبهة لا طريق لإحراز أمر الولد وتخيير القاضي مظنّة التشاحّ والتنازع ، فلا يبقى طريق إلاّ القرعة.
والحاصل : أنّ القرعة إنّما تجري في موارد سدّ الأبواب جميعاً من الأمارات والاصول.
فالصحيح في المقام هو الوجه الثالث ، وهو أنّ أدلّة الاستصحاب واردة على أدلّة القرعة لأنّ بها يرتفع المجهول موضوعاً ، كما أنّها كذلك بالنسبة إلى أدلّة سائر الاصول وجميع الأمارات والقواعد.