قلنا : أوّلاً : لا تصل النوبة إلى استصحاب الاشتغال مع جريان قاعدة الإشتغال ( الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ) في جميع موارد الشكّ في براءة الذمّة ، كما قرّر في محلّه ، ولا يخفى الفرق بينهما ، فإنّ قاعدة الاشتغال ليست محدودة بموارد سبق الحالة السابقة للاشتغال.
وثانياً : أنّ استصحاب عدم إتيان الركوع الزائد حاكم على استصحاب الاشتغال ، لكونه سبباً واستصحاب الإشتغال مسبّبياً ، فالشكّ في بقاء الاشتغال ينشأ من الشكّ في إتيانه بالركوع الزائد وعدمه ، فإذا ارتفع هو باستصحاب عدمه ارتفع الشكّ في بقاء الاشتغال أيضاً.
فظهر ممّا ذكر أنّ الوجه في تقديم القواعد على الاستصحاب قلّة موارد الافتراق فتقدّم عليه من باب تقديم الخاصّ على العام.
أقول : والصحيح في منهج البحث في المقام تعيين كون هذه القواعد من الأمارات أو الاصول أوّلاً ، حيث إنّها إذا كانت من الأمارات كان وجه تقديمها على الاستصحاب نفس وجه تقديم سائر الأمارات عليه ، وهو كون أدلّتها واردة على أدلّة الاستصحاب أو حاكمة عليها ببيان مرّ تفصيله ، ولا إشكال في أمارية هذه القواعد فتكون واردة على الاستصحاب ، ولا أقلّ من كونها حاكمة عليها كما هو مقتضى بعض أدلّتها كقوله عليهالسلام في مورد قاعدة التجاوز : « بلى قد ركعت » (١) أي أنّك على يقين من إتيان الركوع فلا تعتن بشكّك وامض.
هذا كلّه في بيان النسبة بين الاستصحاب والقواعد الخمسة غير القرعة.
وأمّا القرعة فحاصل ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في وجه تقديم الاستصحاب عليها وبيان النسبة بينهما وجوه ثلاثة :
الوجه الأوّل : أنّ دليل الاستصحاب أخصّ من دليل القرعة لأنّ الاستصحاب ممّا يعتبر فيه سبق الحالة السابقة دون القرعة.
إن قلت : إنّ النسبة بين الاستصحاب والقرعة هى العموم من وجه لا العموم المطلق ، فكما أنّ الاستصحاب أخصّ من القرعة لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه فكذلك القرعة تكون أخصّ من الاستصحاب لاختصاصها بالشبهات الموضوعيّة بالإجماع بل بالضرورة.
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ١٣ ، من أبواب الركوع ، ح ٣.