ويمكن أن يستشهد على ذلك بفهم القدماء من المفسّرين حيث إنّهم كانوا يعاملون الخاصّ الوارد في القرآن الكريم معاملة الناسخ فيعدّونه ناسخاً للعام.
كما يمكن الاستشهاد أيضاً بما رواه الطبرسي رحمهالله في كتاب الإحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليهالسلام يسألني : بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر فإن بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، فكتب عليهالسلام في الجواب : أنّ فيه حديثين : أمّا أحدهما فإنّه إذا إنتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً » (١) حيث إنّه حكم بالتخيير بين الروايتين مع أنّ أحدهما خاصّ والآخر عام كما هو ظاهر ، لكنه عاملهما معاملة المتعارضين.
ولكن الإنصاف أنّ ما ذكرنا مختصّ بالعرف العام ، وأمّا العرف الخاصّ فقد يكون على خلاف ذلك إذا علمنا أنّ سيرة المقنّن والشارع فيه جرت على بيان أحكامه وقوانينه تدريجيّاً كما أنّه كذلك في الشريعة الإسلاميّة ، فالعرف بعد ملاحظة هذه السيرة لا يحكم بالتعارض في موارد العام والخاصّ وإن كانا منفصلين ، ولذلك يحمل ما مرّ من معاملة القدماء من المفسّرين على غفلتهم عن هذه السيرة وعدم التفاتهم إلى هذه النكتة.
نعم ، إنّ هذا جارٍ بالنسبة إلى الواجبات أو المحرّمات ، وأمّا في المستحبّات فللشارع سيرة اخرى ، وهى بيان سلسلة مراتب الاستحباب ودرجات المطلوبيّة ، فيحمل العام فيها على بيان درجة منها والخاصّ على بيان درجة اخرى ، ونتيجته عدم كونهما فيها من باب التخصيص ولا من باب التعارض ، حيث إنّهما يجريان في خصوص موارد إحراز وحدة المطلوب لا تعدّده كما قرّر في محلّه.
ومن هنا يظهر الجواب عن الشاهد الثاني ، وهو حديث الإحتجاج فإنّ مورده من المستحبّات ، فالتخيير الوارد فيها ليس من سنخ التخيير بين المتعارضين بل من قبيل تعدّد
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ٤ ، الباب ١٣ ، من أبواب السجود ، ح ٨.